رئيسة مكتب «أونروا» بالقاهرة: نتعرض لاستهداف ممنهج فى الأراضى المحتلة - نجد الاخبارية

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قالت سحر الجابورى، رئيسة مكتب ممثل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» بالقاهرة، إن الوكالة تشهد استهدافًا ممنهجًا وغير مسبوق فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، مشيرة إلى أن نحو٣٠٠ موظف بالوكالة قتلوا منذ اندلاع الحرب فى أكتوبر ٢٠٢٣، وهو أعلى عدد للضحايا بين موظفى الأمم المتحدة فى تاريخ النزاعات.

وأوضحت، خلال حديثها لـ«الدستور»، أن الوكالة تكثف من جهودها فى الحشد السياسى والدبلوماسى لضمان التمويل وحماية تفويض الوكالة، فى ظل تحديات غير مسبوقة من أجل استمرار تقديم الدعم للفلسطينيين، خاصة فى قطاع غزة، مؤكدة أن استبدال «أونروا» لا يمكن أن يتم بعيدًا عن حل سياسى، يضمن نقلًا تدريجيًا مدروسًا لعملياتها إلى مؤسسات فلسطينية قادرة ومؤهلة، لأن غيابها دون بديل واضح ستكون له تبعات سياسية وإنسانية عميقة.

■ بداية.. كيف ترين ما يحدث من استهداف لمقرات أونروا؟

- تشهد وكالة أونروا استهدافًا ممنهجًا وغير مسبوق فى الأراضى الفلسطينية المحتلة عمومًا، ففى غزة، ومنذ اندلاع الحرب، قُتل ما يقرب من ٣٠٠ موظف- وهو أعلى عدد للضحايا بين موظفى الأمم المتحدة فى تاريخ النزاعات- واعتقل أكثر من ٥٠ موظفًا، حيث تعرضوا لأشكال مروعة من سوء المعاملة، وأفاد بعضهم بتعرضهم للضرب واستخدامهم كدروع بشرية، وحرمانهم من النوم والإذلال، والتهديد بإيذائهم أو إيذاء أفراد أسرهم، كما أُجبر العديد منهم على الإدلاء باعترافات قسرية ومضللة، تتضمن مزاعم بتورطهم فى أحداث ٧ أكتوبر ٢٠٢٣.

وكذلك، تعرض أكثر من ٣٠٠ من مرافق الوكالة للقصف أو التدمير، رغم تزويد طرفى النزاع بإحداثيات هذه المرافق بشكل منتظم لضمان حمايتها.

ولا يقتصر الأمر على غزة؛ ففى القدس الشرقية المحتلة، تعرض مقر الوكالة فى الشيخ جراح لمحاولات اعتداء متكررة، آخرها محاولة حرق مؤسفة. 

وفى تصعيد خطير، اقتحم مسئولون إسرائيليون من بلدية القدس، رفقة قوات أمنية مسلحة، ٦ مدارس تابعة لأونروا، وسلموا إداراتها أوامر تعسفية بإغلاقها خلال أقل من شهر، علمًا بأن هذه المدارس تقدم التعليم لنحو ٨٠٠ طفل لاجئ فلسطينى، وإغلاقها سيحرمهم من حقهم الأساسى فى التعليم، قبل حتى إتمام العام الدراسى.

ويأتى هذا التصعيد الميدانى فى سياق أوسع من الاستهداف السياسى والتشريعى، حيث القوانين التى أقرها الكنيست الإسرائيلى فى أكتوبر ٢٠٢٤، والتى استهدفت وجود عمليات الوكالة فى الأراضى الفلسطينية المحتلة.

ونذكر بأن منشآت أونروا وموظفيها وكل من يحتمى بها يتمتعون بالحصانة بموجب القانون الدولى، والمس بهذه الحماية يمثل انتهاكًا خطيرًا للقانون الإنسانى الدولى. 

■ ما أهمية الدور الذى تلعبه «أونروا» حاليًا مقارنة بما كان سابقًا؟

- يمكن القول بثقة إن الدور الذى تلعبه أونروا اليوم هو أكثر حيوية وتعقيدًا، وضرورة من أى وقت مضى، فمنذ أكثر من ٧٥ عامًا، شكلت أونروا شريان الحياة للاجئين الفلسطينيين عبر خدمات التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والحماية، لكن الواقع اليوم تجاوز الأطر التقليدية لهذه الخدمات، فى ظل النزاعات الممتدة، والانهيارات الاقتصادية، والتحديات السياسية والأمنية المتفاقمة.

وحاليًا، باتت أونروا لا تلبى الاحتياجات فحسب، بل تشكل خط الدفاع الإنسانى الأول لملايين اللاجئين فى غزة، والضفة الغربية، ولبنان، وسوريا، والأردن.

ففى غزة مثلًا، تحولت الوكالة منذ بداية الأزمة حتى فرض الحصار الحالى إلى العمود الفقرى للاستجابة الإنسانية فى بيئة هى من بين الأصعب فى العالم، وهى تقدم خدماتها من خلال أكثر من ١٢٫٠٠٠ موظف محلى لجميع السكان.

أما فى لبنان وسوريا، فقد أصبحت أونروا صمام أمان اجتماعى، فى سياقات تزداد فيها هشاشة البنى التحتية والخدمات العامة.

وهنا لا بد من التأكيد أن الوكالة ليست مجرد جهة تقدم الخدمات العامة والإنسانية، بل أداة اختارها المجتمع الدولى لصون حقوق اللاجئين الفلسطينيين حتى التوصل إلى حل عادل ودائم لقضيتهم. 

والحديث عن استبدال أونروا لا يمكن أن يتم بعيدًا عن أى مسار لحل سياسى، يضمن نقلًا تدريجيًا ومدروسًا لعملياتها إلى مؤسسات فلسطينية قادرة ومؤهلة، لأن غيابها دون بديل واضح سيُخلف فراغًا خطيرًا، لا سيما فى مجال التعليم والرعاية الصحية، وستكون له تبعات سياسية وإنسانية عميقة ليس فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، بل فى المنطقة عمومًا. 

وباختصار، تكلفة انهيار الوكالة ستكون أعلى بكثير من تكلفة دعمها.

■ كيف تتعامل الوكالة مع تقليص الدعم من بعض الدول المانحة؟

- تقليص الدعم مسألة تؤرق، ليس أونروا فحسب، بل كل منظمات الأمم المتحدة، ولكن بالنسبة لأونروا يأتى الأمر فى توقيت بالغ الحساسية، تتزايد فيه الاحتياجات بشكل مهول، فالوكالة منذ سنوات تعانى وضعًا ماليًا هشًا، وقد بدأت عام ٢٠٢٥ مثقلة بديون بقيمة ٣٥ مليون دولار.

والوضع حاليًا أسوأ بكثير، فالوكالة تتعرض لحملة تشويه غير مسبوقة، مبنية على معلومات مغلوطة، أدت ببعض الدول المانحة إلى تقليص التمويل، لذا تكثف أونروا جهودها فى الانخراط مع الشركاء والجهات المانحة لتفنيد المزاعم المغلوطة، وتوضيح الحقائق والتأكيد على التزام الوكالة الصارم بأعلى معايير الشفافية والمساءلة المؤسسية.

وفى خضم هذه التحديات، يقدر عجز الميزانية الرئيسية للوكالة بـ١٤٠ مليون دولار، وعليها تدبيره وإلا ستتعرض عملياتها لخطر التوقف بحلول شهر يوليو المقبل.

■ ما دور الأمم المتحدة والدول الأعضاء بها فى دعم استمرارية أونروا؟

- ترتكز استمرارية عمل أونروا على دعم الأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها، ليس فقط ماليًا، بل أيضًا سياسيًا، من خلال حماية تفويضها، فأونروا ليست مجرد وكالة أممية، بل انعكاس مباشر لالتزام المجتمع الدولى تجاه حقوق اللاجئين الفلسطينيين حتى التوصل إلى حل عادل ودائم لقضيتهم.

وقد تجسدت الإدارة الدولية فى الجمعية العامة للأمم المتحدة مرارًا، وأبرزها كان فى ديسمبر الماضى، حيث شهدت الدورة العاشرة الطارئة للجمعية العامة دعمًا غير مسبوق للوكالة، وحقق القرار المعنون بـ«دعم ولاية أونروا» رقمًا قياسيًا تاريخيًا بحصوله على ١٥٩ صوتًا مؤيدًا، وهو أعلى عدد من الأصوات سُجِّل لصالح أى قرار فى دورة طارئة للجمعية العامة منذ إنشائها. 

كما اعتمدت الجمعية العامة قرارًا صاغته دولة النرويج بأغلبية ١٣٧ من أصل ١٩٣ دولة، بإصدار فتوى قانونية من محكمة العدل الدولية بشأن عرقلة إسرائيل أنشطة أونروا فى الأراضى الفلسطينية المحتلة.

وفى ظل ما تتعرض له أونروا من حملات سياسية وتشريعية تستهدف وجودها، فإن المسئولية الدولية تستدعى توفير التمويل الكافى للوكالة والدفاع عنها إزاء هذه الهجمات لضمان قدرتها على مواصلة العمل فى بيئات شديدة التعقيد والتقلب.

■ أخيرًا.. ما الرسالة التى ترغبين فى إيصالها للمجتمع الدولى حول دور الوكالة والأوضاع فى الأراضى المحتلة عمومًا؟

- أولًا أقول إن ما يحدث فى غزة ليس فقط كارثة، بل وصمة عار وأزمة إنسانية وأخلاقية كبرى، وما نحتاجه اليوم ليس مجرد إدانات أو بيانات شجب أو تعاطف، بل خطوات ملموسة تبدأ بوقف إطلاق نار إنسانى، والإفراج الفورى وغير المشروط عن جميع الرهائن المحتجزين فى غزة، وضمان التدفق الكامل والمستدام للمساعدات الإنسانية والإمدادات التجارية.

ثانيًا، يجب أن ندرك أن استهداف أونروا سياسيًا، سواء عبر وقف التمويل أو محاولات نزع الشرعية، لا يهدد الوكالة فقط، بل حياة ملايين اللاجئين الفلسطينيين. فتقويض دور الوكالة لن يؤدى إلا إلى مزيد من التدهور، ليس فقط فى غزة، بل فى كل مناطق العمليات.

ثالثًا، إن دعم أونروا فى هذا الظرف ليس مجاملة، بل واجب دولى وإنسانى وأخلاقى، ونحن بحاجة إلى تمويل مستدام لا يضمن فقط استمرار عملياتها، بل حماية كرامة وحقوق وحياة ملايين اللاجئين الفلسطينيين.

وأخيرًا، لا يمكن معالجة الوضع القائم فى المنطقة دون معالجة الجذر الأساسى، ألا وهو غياب حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، فأونروا ليست الحل، لكنها جزء لا غنى عنه من أى مسار يؤدى إلى تسوية سياسية عادلة وشاملة، وقد حان الوقت لإرادة سياسية شجاعة، تتحمل مسئولية حماية القانون الدولى، والكرامة الإنسانية، والعدالة التاريخية.

ما أولويات الوكالة فى المرحلة الراهنة؟

- فى ظل الظروف غير المسبوقة التى نواجهها، تتمثل أولويات أونروا فى التركيز على الاستجابة الإنسانية الطارئة فى قطاع غزة، حيث يعيش أكثر من مليونى إنسان فى ظروف كارثية وجوع من صنع الإنسان.

كما تتمثل فى الحفاظ على استمرارية الخدمات الأساسية فى باقى مناطق عملها، من تعليم وصحة وإغاثة.

فى الوقت ذاته، نكثّف جهودنا فى الحشد السياسى والدبلوماسى لضمان التمويل وحماية تفويض الوكالة فى ظل تحديات غير مسبوقة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق