داكا- شهدت العاصمة البنغلاديشية داكا، خلال الأيام الماضية، تصاعدا في زخم المظاهرات المطلبية والسياسية التي تعكس انتظارات المواطنين وتزايد سخونة المشهد السياسي، بعد نحو 9 أشهر على إسقاط حكم رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة، وهو ما يزيد من الضغوط السياسية على الحكومة المؤقتة برئاسة المستشار محمد يونس.
آخر تلك الحشود كانت لعشرات الآلاف من مؤيدي حفظة الإسلام، وهي جماعة ضغط سياسي دينية محافظة، اجتمعوا في داكا، اليوم السبت، وطالبوا بإلغاء لجنة إصلاح شؤون المرأة التي شكلتها الحكومة الانتقالية، معتبرين أن ما تسعى إليه معارض لتعاليم القرآن الكريم وسنة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام.
ولخَّصت الجماعة –التي تأسست عام 2010 وانبثقت من تيار العلماء وطلبة المدارس الدينية الحنفية الديوبَندية في بنغلاديش– مطالب قادَتِها في 12 نقطة أساسية، وتوعدت بحشدٍ أكبر أواخر الشهر الجاري.
" frameborder="0">
القيم والعدالة الانتقالية
وطالبت حفظة الإسلام، بتشكيل لجنة جديدة لشؤون المرأة تضم علماء ونساءً من التيار الديني الذي قالوا إنه يمثل أغلبية المجتمع البنغلاديشي.
كما رفضوا تنميةً أو تغييرا في حياة المرأة بناء على القيم الغربية، داعين إلى الالتزام بتعاليم الإسلام في الحياة العامة، والحفاظ على مكانة دين الإسلام الذي يدين به 91% من سكان بنغلاديش في أي تعديل دستوري، ودعوا لإنزال أشد العقوبات بأي إساءة للدين ورموزه وتعاليمه.
وفي ملف العدالة الانتقالية، طالب المتظاهرون بمحاكمة المتورطين بقمع مظاهرات معارضة سابقة خلال حكم الشيخة حسينة عام 2013، وما وقع إبان إسقاطها أواخر العام الماضي، وتبرئة من لوحقوا سياسيا من المعارضين خلال الحكم السابق، وبحل وحظر جميع أنشطة حزب رابطة عوامي، الذي حكم سابقا 16 عاما برئاسة الشيخة حسينة.
ولم تنس الجماعة قضية فلسطين وأحوال المسلمين في الهند، ورفع المحتشدون أعلام فلسطين، وطالبوا أيضا بوقف اضطهاد مسلمي الهند وما يتعرضون له من "سياسيات تمييزية"، حسب وصفهم، كما دعوا دول العالم الإسلامي للعمل على إيقاف الحرب الإسرائيلية بقطاع غزة، وفتح المعابر لإيصال المساعدات للقطاع، مؤكدين على التضامن مع أهل فلسطين والاستمرار في نهج المقاطعة الاقتصادية.
وفُهم هذا الحشد سياسيًا، على أنه استعداد مبكر لتحديد الموقف السياسي للتيارات الإسلامية المحافظة والمطالبة بأسلمة الحياة العامة والإصلاح السياسي، بعد سنوات من الإبعاد أو الابتعاد عن صناعة القرار السياسي.

دعوة للمحاكمة
كان لافتا أن يتفق حزب المواطن القومي -أسسه حديثا طلاب الحراك الذي أسقط الشيخة حسينة العام الماضي- مع حفظة الإسلام في بعض مطالبهم، ومنها، محاكمة قادة حزب رابطة عوامي وحظر الحزب الحاكم سابقا.
إعلان
وطالب حزب المواطن القومي، الذي احتشد، أمس الجمعة، أمام مسجد بيت المكرم الكبير في داكا، بعدم تنظيم انتخابات تشريعية قبل محاكمة قادة حزب رابطة عوامي على ما اقترفوه من قتل وانتهاكات حقوقية، حسب وصفه، وما أظهرته تقارير حقوقية خلال الانتفاضة الشعبية والطلابية التي أسقطت الشيخة حسينه وحزبها العام الماضي.
وشددوا على حظر نشاط "عوامي" حتى انتهاء المحاكمات وكشف الملفات الجنائية المتعلقة بفترة حكمه، ورفضوا مشاركته في الانتخابات المقبلة.
وأكد قادة حزب المواطن القومي أن حظر النشاط السياسي ومحاكمة قادة حزب "عوامي" لا تراجع عنه، رغم تردد بعض السياسيين بهذا الشأن، وأن ذلك ليس "مطلبا" فحسب، بل هو "قرار" على الحكومة تنفيذه، حسب أحد قادتهم.

الجماعة الإسلامية
وكانت الجماعة الإسلامية -أقدم الأحزاب الإسلامية في بنغلاديش- قد سبقت "حفظة الإسلام" بمسيرات ومظاهرات حاشدة، الخميس الماضي، تزامنا مع عيد العمال، حيث احتشد آلاف من مؤيديها في داكا ومختلف المقاطعات، ودعوا لتوفير الحماية القانونية والاقتصادية لطبقة العمال التي تشكل نسبة كبيرة في البلاد.
وقال بيان للجماعة -وهي ثاني أكبر الأحزاب السياسية ببنغلاديش حاليا- إن العمال لطالما افتقدوا حقوقهم الأساسية، وظهر ذلك في صراعاتهم الدائمة مع أصحاب المصانع، الذين طالبتهم الجماعة بمنح الحقوق لموظفيهم ووقف الاعتداءات عليهم، والتي وصلت إلى حد "سقوط قتلى وجرحى" حسب البيان.
" frameborder="0">
وجددت الجماعة الإسلامية التي أقصيت من الحياة السياسية خلال عهد الشيخة حسينة، مطالبها بضرورة إجراء إصلاحات قانونية كافية قبل تنظيم أي انتخابات تشريعية في البلاد، لضمان تنظيمها بصورة نزيهة وعادلة وحرة بحضور مراقبين.
وكان أمير الجماعة الإسلامية، شفيق الرحمن، قد أبلغ وفودا أميركية وغربية أنه من المفضل أن تنظم الانتخابات قبل شهر رمضان المقبل.
وتطالب الجماعة بحزمة من الإصلاحات، بينها، الحفاظ على توازن القوى بين مؤسستي الرئاسة والوزراء، وألا يظل الشخص نفسه بمنصب رئاسة الوزراء لأكثر من فترتين انتخابيتين.

العودة إلى السلطة
أما الحزب الوطني البنغلاديشي، الذي تتزعمه خالدة ضياء -رئيسة الوزراء السابقة- فيتطلع أكثر من غيره من الأحزاب بنظر محللين إلى الانتخابات دون تأخير، ويأمل العودة إلى السلطة مجددا، وتوقَّع قادته وكثير من الاستطلاعات أنه سيكون في مقدمة الأحزاب إن لم تحصل مفاجآت تغير المشهد السياسي.
ويؤكد خطاب قادته ومنهم طارق رحمان، نجل خالدة ضياء، أن 80 مليون عامل بنغلاديشي وغيرهم يتطلعون إلى حياة ودولة ديمقراطية، ونظام حكم رشيد، ونظام انتخابي نزيه وحر وعادل.
وتحدث رحمان وقادة آخرون، بمناسبات عدة، عما واجهه حزبهم وغيره من الأحزاب المعارضة من إقصاء خلال 16 عاما مضت، ويطالبون الحكومة الانتقالية بخارطة طريق واضحة نحو الانتخابات، تسلَّم بعدها السلطة لحكومة منتخبة.
وأكدوا على ضرورة الانتقال السلمي للسلطة من الحكومة الانتقالية الحالية، وعلى ارتباط ذلك بحماية مصالح بنغلاديش وأن تتخذ القرارات المصيرية من الحكومة المنتخبة المفوضة من الشعب.
وقال رحمان في كلمة أخرى، أمس الجمعة، إن حدثين مثَّلا نقطة تحول مفصلي بتاريخ بنغلاديش الحديث، الأول استقلالها عام 1971، والثاني استرجاع سيادة الدولة بانتفاضة عام 2024، التي تعيش بنغلاديش حصيلتها وإفرازاتها، ويتطلع البنغلاديشيون لمآلات المرحلة الانتقالية الحالية وأن تتوج بإصلاحات تُمهِّد لانتخابات تشريعية.
واللافت، أن يركز قادة الحزب الوطني على أهمية إعداد الحكومة الانتقالية للانتخابات، دون تأخير، ومنهم شمس الزمان دودو، نائب رئيس الحزب، والذي قال في كلمة له، اليوم السبت: إن قادة ومؤيدي حزبه ظلوا يتظاهرون في شوارع بنغلاديش لنحو 16 عاما، خلال الحكم السابق، ومازالوا يواصلون مسيراتهم، وهم يدعمون الحكومة الانتقالية.
وأردف قائلا: إنْ حاولت الحكومة الحالية التمسك بالسلطة بغير وسائل الديمقراطية وبتفادي الآليات الانتخابية، فإن دعم حزبه للحكومة الانتقالية سينتهي وسيعودون إلى الشوارع متظاهرين، وسيراقب الناس ماذا سيحدث في حينه.
و الكلام ذاته جاء على لسان ظاهر الدين سوامبان مستشار رئيسة الحزب الوطني، مؤكدا على أنه لا تراجع عن خيار الانتخابات وتسليم السلطة لحكومة يفوضها الشعب البنغلاديشي.
0 تعليق