تجمّع العشرات من مربي ومربيات التعليم الأولي في وقفة احتجاجية وطنية أمام مقر وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بالرباط يوم السبت، معبرين عن غضبهم واستيائهم من استمرار ما وصفوه بـ”الحيف” من طرف الجمعيات المفوض لها تدبير القطاع، خاصة من خلال عقود عمل ذات أجور زهيدة وتأمينات ضعيفة، بالإضافة إلى تقييد الحريات النقابية وتأخر الاعتراف بصفة الموظف العمومي، هذه المطالب دفعتهم للاحتجاج أمام الوزارة الوصية، في خطوة تصعيدية تهدف إلى لفت الانتباه لمعاناتهم المستمرة
المشاركون في هذه الفعالية الاحتجاجية، التي حظيت بدعم من مختلف الأطر النقابية واللجان المنضوية تحت لواء النقابات التعليمية، رفعوا أصواتهم بشعارات قوية تعكس “اليأس من جمود الملف” وتفاقم المشاكل المهنية، مطالبين بإلحاح بالإدماج في الوظيفة العمومية، ومن بين الشعارات التي رددوها: “هز وزير وحط وزير لا اصلاح ولا تغيير”، و”ألي ديغاج، إما الإدماج إما البلوكاج”، و”الجمعيات العاجزة غادي تجمع الباليزة”
### مطالب ملحة للإدماج والتحسين
لمياء حمران، الكاتبة الوطنية للنقابة الوطنية لمربي ومربيات التعليم الأولي “ك د ش”، أكدت أن “هذه الوقفة هي صرخة مدوية تطالب بالإدماج الفوري للمهنيين في الوظيفة العمومية، وتحديدًا في السلك الابتدائي للتعليم، بالإضافة إلى مطالبة الحكومة بفتح حوار جاد ومسؤول، خاصة وأنها تتحمل المسؤولية الكاملة عما يعيشه المربون من هشاشة وتهميش وتدني الأجور وعقود عمل لا تستند إلى أي مرجعية قانونية”، هذا التحرك يأتي في ظل شعور متزايد بالإحباط وعدم الاستقرار الوظيفي
وأضافت حمران في تصريح صحفي، أن “الجمعيات الوطنية والمحلية المفوض لها تدبير القطاع مستمرة في ممارسة الضغط على المربيين، الأمر الذي يؤكد ضرورة الحد من الوساطة في هذا القطاع الحيوي”، مشددة على أن “المهنيين يعملون اليوم داخل مدارس ابتدائية وتحت إشراف مفتشي التعليم الابتدائي، لكنهم مع ذلك لا يحصلون على نفس الأجور التي يتقاضاها زملاؤهم الذين يدرسون في نفس السلك”، هذا التفاوت الصارخ في الأجور والظروف الوظيفية يزيد من حدة الاستياء والتذمر في صفوف المربين
وعبرت الفاعلة النقابية عن “خيبة أمل كبيرة” من تعامل الوزير الوصي مع هذا الملف الشائك، مشيرة إلى أن “المربين كانوا يأملون في أن يبادر الوزير الجديد، فور توليه منصبه، إلى إنصافهم والاستماع إلى مطالبهم، إلا أنه لم يقم حتى الآن بفتح أي حوار جاد ومثمر معهم”، وأضافت أن “التكوينات التي خضعوا لها في الأشهر الأخيرة غير كافية ولا تلبي الطموحات والتطلعات المهنية للمربين”، مؤكدة أن هناك مطالب جوهرية أخرى لم يتم تحقيقها بعد
بشكل أكثر تحديدًا، قالت حمران: “كنا ننتظر من الوزير أن يعمل على إدماج المربين وتحسين أجورهم ووضع حد للضغوط التي تمارسها الجمعيات على المهنيين، الذين باتوا يعملون كعمال في المصانع، مع كامل احترامنا وتقديرنا لهذه الفئة”، هذا التشبيه يعكس حجم المعاناة والاستغلال الذي يتعرض له المربون في ظل الظروف الحالية
### غياب الاستقرار الوظيفي والتأمين الصحي
من جانبه، أوضح فيصل حلمون، نائب المنسق الوطني للجنة الوطنية لمربي ومربيات التعليم الأولي “FNE”، أن “الوقفة التي نظمتها الجامعة الوطنية للتعليم-التوجه الديمقراطي في 21 أكتوبر كانت بمثابة تعبير عن الأمل في أن يبادر الوزير الجديد إلى فتح حوار مسؤول وبناء مع أساتذة هذا السلك، بهدف تشخيص المشاكل المطروحة وإتاحة الفرصة للمهنيين لتقديم مقترحات وحلول من شأنها أن تمنح بصيص أمل لهذه الفئة المهمة”
وأكد حلمون في تصريح مماثل، أن “هذه الفئة تعاني بشكل كبير من ضعف الأجور وغياب الاستقرار المهني والتأمين الصحي المناسب، وهو ما تجسد بوضوح في حالة الأستاذ جواد الذي تعرض لحادثة شغل خطيرة”، هذه الحادثة سلطت الضوء على هشاشة الوضع الاجتماعي والصحي للمربين، الذين يفتقرون إلى الحماية اللازمة في بيئة العمل
وأشار المحتج نفسه إلى أن “هذه المشاكل المتراكمة والمزمنة تؤثر سلبًا على نفسية الأساتذة وتزيد من معاناتهم، بل إنها تلازمهم حتى خلال فترة عملهم، خاصة في ظل الارتفاع المستمر في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية في المغرب”، هذا الوضع يجعلهم يعيشون في حالة من القلق الدائم وعدم القدرة على تلبية احتياجاتهم الأساسية وأسرهم
### شهادات حية لمعاناة يومية
من جهتها، أفادت صليحة بنماحي، الكاتبة الإقليمية لمربي ومربيات التعليم الأولي بطنجة المنضويين تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، بأنها وزملاءها في المنطقة ضحوا “بالوقت والمال من أجل الحضور إلى هذه الوقفة والمطالبة بالحقوق المشروعة التي لا تزال الجمعيات تصر على تجاهلها وهضمها إلى يومنا هذا”
وقالت بنماحي في تصريح مماثل: “نحن مجموعة من المربيات كنا ضحايا حادثة شغل في طنجة، وقد تبين لنا حينها أن الجمعية المتعاقد معها لم تقم بالتصريح بنا لدى شركة التأمين، بل إنها كانت ترفض بشكل قاطع تسليمنا عقود العمل”، هذه الشهادة تكشف عن ممارسات غير قانونية وغير أخلاقية من طرف بعض الجمعيات، التي تستغل المربين وتتهرب من مسؤولياتها
وذكرت المتحدثة أنها شخصيًا كانت “ضحية حادثة شغل في مركز الحسن الأول بطنجة، أدت إلى فقدانها للجنين وإصابتها بعاهة مستديمة تمنعها من الحمل”، مضيفة أن “الجمعية ادعت أنها قامت بالتصريح بهذه الحادثة، لكن تبين فيما بعد أن كل ذلك مجرد كذب وتضليل، مما اضطرها إلى اللجوء إلى القضاء لإنصافها واستعادة حقوقها”
وأوضحت بنماحي أنه عندما طلبت من “الجمعية تزويدها بعقود العمل لتقديمها إلى الجهات المعنية، قدمت الأخيرة على مضض عقدًا واحدًا، لكن تبين لاحقًا أنه مزور ولا يعكس حقيقة العلاقة التعاقدية”، مشيرة إلى أن “هذا الملف لا يزال معروضًا على القضاء في انتظار البت فيه وإحقاق الحق”، هذه الشهادات الحية تعكس حجم المعاناة والتحديات التي تواجه مربي ومربيات التعليم الأولي في المغرب