يوميات حاج: مكة نادت.. ويا ترى إيه اللي هيحصل؟ رحلة الإيمان بدأت!

قبل أن يرتدي الجسد لباس الإحرام، يستعد القلب لرحلة فريدة لا مثيل لها, رحلة لا تنطلق بالقدم, بل بارتجافة الوجدان, وقبل أن ينطق اللسان بالنية, يتردد همس داخلي يزداد تدريجياً

أسئلة تتردد في النفس:

  • “هل أنا حقًا مستعد لهذه المواجهة”
  • “هل وجهتي هي الله حقًا, أم مجرد زيارة لمكة المكرمة”

فالحج لا ينطلق من الميقات المكاني فحسب, بل من نقطة انطلاق الروح نحو استعادة عهدها الأزلي, من تلك اللحظة الاستثنائية التي يستيقظ فيها الوعي, معلنًا: “حان أوان التخلي”

تجرّد الروح وليس الجسد

ليس المقصود هنا تجريد الجسد من ملابسه فحسب, بل تجريد الروح من كل ما التصقت به من مفاهيم وصور وأدوار ورغبات دنيوية, في لحظة التأهب الروحي, يختبر الإنسان شعورًا بالقلق النبيل, ليس خوفًا من الزحام أو المناسك, بل خشية أن يمر بكل هذا دون أن يحدث التغيير المنشود

وكأن الحاج يخاطب نفسه:

  • “سأنطلق إلى هذه الرحلة بقلب متجرد”
  • “فإما أن أعود إنسانًا جديدًا, أو أعود أكثر تشويهًا مما كنت عليه”

الاستعداد الظاهري والباطني

الجسد يستعد بالتطهر والاغتسال وتقليم الأظافر والتخفف من الزينة, لكن الأهم هو الاستعداد الباطني الذي لا تراه العيون, فهل تطهر القلب من أمراضه, وهل قَصَّ الإنسان أظافر كبريائه, وهل خفف العقل من تبريراته وضيقه وتخطيطاته الزائفة

الحج عودة إلى الأصل

فالحج في جوهره ليس مجرد رحلة إلى مكة, بل هو عودة إلى الحقيقة الأولى, إلى جواب الأرواح حين سألها الخالق:

﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟﴾

ولأن الله لم يكتف بنداء الأرواح, بل نادى الأجساد عبر التاريخ, جاء النداء الإبراهيمي الخالد, ذلك النداء الذي ما زالت أصداؤه تتردد في الأعماق, موقظة الأرواح من غفلتها:

﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ (سورة الحج – الآية 27)

إنه نداء لا يُسمع بالأذن الظاهرة, بل يُستشعر بارتجافة القلب, فإذا استجاب القلب لهذا النداء, بدأت العودة الحقيقية, والاستعداد لهذه العودة لا يكون بتجهيز الحقائب, بل بإفراغ القلب من كل الشوائب, بتخليص النفس من التكدس والتشتت والأثقال التي علقت بها أثناء الركض في متاهات الدنيا دون الالتفات إلى الذات

لحظات ما قبل الإحرام

في تلك اللحظات التي تسبق الإحرام, يتبدل شيء في نبرة الصوت, يصبح الصمت أعمق, والخطوات أبطأ, وكأن الروح تتحسس الطريق قبل أن تخطو فيه, وكأن الإنسان يعلم, دون أن يتفوه, بأنه على وشك الدخول إلى مقام عظيم لا يليق به أن يدخله بأثقاله القديمة

التخلي لا التجهيز

وهكذا, لا يكون الاستعداد للحج مجرد تجهيز, بل هو تخلٍّ, تخلٍّ عن التوقعات والسيطرة والحسابات الدقيقة, أن تمضي قدمًا وأنت لا تدري ما الذي سيحدث في داخلك, لكنك على يقين بأن شيئًا ما سيحدث, شيئًا عظيمًا وعميقًا ومصيريًا

فالحج لا يبدأ بالتلبية, بل بارتجافة القلب التي تسبقها, من تلك اللحظة التي تقف فيها وحيدًا, قبل أن ترتدي الإحرام, وتشعر بأنك على وشك عبور بوابة لا تُفتح إلا مرة واحدة, وتدرك حينها أن الطريق إلى مكة يبدأ من قلبك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Exit mobile version