يلجأ العديد من المترشحين للامتحانات الإشهادية، خاصةً الجهوية والوطنية لنيل شهادة البكالوريا، إلى منصات التواصل الاجتماعي للتعبير عن استيائهم من صعوبة المواضيع المطروحة، معتبرين أن النصوص تتجاوز مستوى فهمهم، ويرجعون ذلك إلى اعتماد نصوص يعتبرونها فوق مستوى استيعابهم
وفي هذا السياق، أثارت مواقع التواصل الاجتماعي نقاشًا واسعًا حول نص امتحان جهوي موحد للسنة الأولى بكالوريا (الدورة العادية 2025) في مادة اللغة العربية بجهة طنجة تطوان الحسيمة، النص مقتطف من تقديم محمد سبيلا لكتاب عبد الهادي بوطالب “نصف قرن في السياسة” تحت عنوان “تدوين التجربة السياسية”
وعبّر العديد من المتفاعلين على السوشيال ميديا عن استغرابهم، واصفين النص بـ”التعجيزي وغير المناسب لطلبة البكالوريا في الشعب العلمية والتقنية”، معتبرين أنه يليق بطلبة الماستر، إلا أن بساطة الأسئلة المرافقة للنص، والتي ركزت على الحد الأدنى من مكتسبات التلاميذ، أثارت تساؤلات حول الأسباب التربوية والنفسية التي تدفع الطلاب إلى تضخيم صعوبة الامتحانات والتهويل منها، حتى لو كانت في مستوى عادي
عجز وتمويه دفاعي
ترى ندى الفضل، الأخصائية والمعالجة النفسية الإكلينيكية، أن “المبالغة في وصف الامتحانات تعكس لجوء بعض الطلاب إلى آليات دفاع نفسية لاواعية، كالإسقاط، حيث ينسب الطالب مشاعر العجز أو الإحباط إلى الامتحان أو واضعيه بدلًا من مواجهة قصوره أو عدم استعداده”، وتضيف “قد يلجأ البعض الآخر إلى الإنكار، رافضين الاعتراف بعدم التحضير الكافي، ويظهر التبرير في عبارات مثل ‘الامتحان فوق المستوى’، كوسيلة لتخفيف التنافر بين الصورة الذاتية والنتيجة الفعلية”
وتضيف الفضل، في تصريح لهسبريس، أن “بعض المراهقين يفتقرون إلى مهارات التنظيم الانفعالي، ما يدفعهم إلى التنفيس السريع عبر وسائل التواصل، بدلًا من التعامل مع الإحباط بطريقة ناضجة”، وتوضح “في هذه الحالة، يصبح التهويل وسيلة للتعبير عن عدم القدرة على فهم الذات واحتواء المشاعر السلبية”
وتشير المتحدثة إلى أن “صورة الذات لدى المراهق غالبًا ما تتشكل من خلال نظرة الآخرين، وعند أول تجربة فشل دراسي، قد يشعر الطالب بتهديد لصورته النرجسية، فيسارع إلى تبرير الإخفاق بعوامل خارجية كصعوبة النص أو مسؤولية الوزارة، محاولًا حماية صورته من التشوه”
هروب عبر التماهي
تؤكد ندى الفضل أن “بعض الطلاب يعانون من قلق امتحانات شديد، قد يصل إلى اضطراب في الأداء، ما يجعلهم يرون في أي اختبار تهديدًا مباشرًا لهويتهم وقيمتهم الذاتية”، وتضيف موضحة أن “هذا الإحساس قد يتحول إلى اعتراض علني، بهدف تخفيف الضغط النفسي الناتج عن الموقف”
وفي حالات القلق الجماعي، توضح الأخصائية النفسية أن “الفرد يميل إلى التماهي مع المجموعة، محاولًا الهروب من الشعور بالعجز الفردي، وبالتالي تصبح الشكوى الجماعية وسيلة لخلق شعور بالانتماء وتخفيف الضغط بشكل مشترك، في ما يمكن اعتباره احتواءً مجتمعيًا غير منتظم نفسيًا”
وتشدد المعالجة النفسية على أنه “في التقييمات الإكلينيكية، يتبين أن العديد من الطلاب يعتمدون على استراتيجيات تأقلم غير فعالة، كالشكوى والتبرير والاجترار، أو المقارنة السلبية بالآخرين، بدلًا من اللجوء إلى آليات أكثر فاعلية، كإعادة التقييم المعرفي والتنظيم العاطفي أو طلب الدعم المناسب”
وتختتم ندى الفضل توضيحاتها بالإشارة إلى أنه “من الممكن التدخل من خلال تدريب الطلاب على مهارات التقييم الواقعي لأدائهم، ومعالجة القلق الامتحاني باستخدام المقاربات المعرفية-السلوكية، مع تعزيز الهوية الأكاديمية وتشجيع الاستقلالية عن الصورة الاجتماعية”، وتؤكد “على أهمية وجود برامج مدرسية وقائية تهدف إلى تعزيز المرونة النفسية وتقليل القلق”
منصات تعمّق التوتر
يرى جبير مجاهد، الأستاذ والباحث في الشأن التربوي، أن “أعدادًا كبيرة من المترشحين تتجه إلى مواقع التواصل الاجتماعي لتضخيم صعوبة الامتحانات، معبرين عن مشاعر الإحباط والتوتر النفسي المصاحب لهذه المرحلة الحساسة”، ويشير إلى أن “هذه التعبيرات تزداد حدة عندما يجد البعض صعوبة في تقبل فكرة الفشل أو ضعف الأداء”
ويضيف مجاهد، في تصريح لهسبريس، أن “منصات التواصل توفر مساحة مفتوحة للتعبير الحر، لكنها تتحول في كثير من الأحيان إلى بديل عن الواقع، حيث يختلط فيها الرأي الشخصي بالحكم العام، ما يخلق صورة غير واضحة عن طبيعة الامتحانات وظروف إجرائها”
ويؤكد الأستاذ والباحث التربوي أن “الانتشار الواسع لهذه المنصات يساهم في سرعة تداول المحتوى، بما في ذلك الشكاوى والمبالغات ونشر المعلومات المغلوطة، ما يزيد من تأثيرها النفسي على باقي المترشحين، ويؤثر سلبًا على نظرتهم إلى المسار الامتحاني برمته”