- توفير مليار دولار من مصنعى «القضبان» و«مكورات الحديد» سنويًا.. وفائض للتصدير إلى الأسواق العربية والإفريقية
تشكل صناعة الحديد والصلب عصب الاقتصاد المصرى، حيث تلبى احتياجات السوق المحلية وتصدر الفائض للأسواق الإقليمية والعالمية، كما تعمل على توفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، ما يجعلها ركيزة أساسية للتنمية الشاملة.
وتمتلك مصر مقومات قوية تؤهلها لقيادة هذه الصناعة فى المنطقة، بدءًا من توافر المواد الخام والأيدى العاملة المدربة، مرورًا بمصادر الطاقة المتجددة والبنية التحتية المتطورة، وصولًا إلى اعتماد أحدث التقنيات فى عمليات الإنتاج والتصنيع.
أولت القيادة السياسية اهتمامًا خاصًا لدعم الصناعات الثقيلة، حيث وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى بإحياء وتطوير صناعة الحديد والصلب وفق المعايير البيئية والتكنولوجية العالمية، ومن أبرز نماذج هذا الدعم، شركة السويس للصلب التابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، التى أصبحت أحد أهم أركان الإنتاج الوطنى فى هذا القطاع الحيوى.
وأجرت «الدستور» جولة داخل شركة السويس للصلب، للوقوف على طبيعة عمل ذلك الصرح الصناعى الكبير ومكوراته المختلفة.
وتمثل الشركة نموذجًا للمجمع الصناعى المتكامل الذى يضم سلسلة إنتاجية كاملة، تبدأ من المواد الخام وتنتهى بمنتجات نهائية عالية الجودة، وتضم وحدات صناعية متعددة تشمل مصنع الاختزال المباشر، مصنعين لصهر الحديد، وثلاثة مصانع للدرفلة، بالإضافة إلى مصانع متخصصة فى تشكيل الحديد، وإنتاج مكوراته، والحديد الإسفنجى، والبليت، والقضبان الحديدية، واللفائف الصلبة، وثانى أكسيد التيتانيوم، والحديد الزهر السائل.
وقال المهندس رفيق ضو، العضو المنتدب للشركة ونائب رئيس مجلس إدارتها، إن صناعة الحديد والصلب تمثل مقياسًا حقيقيًا لتقدم الدول، مشيرًا إلى عزم الدولة المصرية إحياء مكانتها التاريخية فى هذا القطاع الذى كانت رائدة فيه خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضى.
وأوضح «ضو» خلال الجولة التفقدية أن هناك إرادة سياسية قوية لإعادة أمجاد صناعة الحديد والصلب وفق رؤية عصرية تعتمد على التكنولوجيا النظيفة والطاقة المستدامة، بما يتماشى مع التوجهات العالمية.
وكشف عن سبق مصر فى التحول لاستخدام الغاز الطبيعى بدلًا من الفحم فى إنتاج الحديد والصلب، وهو ما تطبقه شركة السويس للصلب منذ سنوات، بينما بدأت أوروبا مؤخرًا فى اتخاذ خطوات مماثلة للحد من الانبعاثات الكربونية.
وأشار إلى أن العديد من المصانع الأوروبية أغلقت أبوابها بسبب الأزمات البيئية والاقتصادية، ما فتح آفاقًا جديدة للتصدير إلى الأسواق الأوروبية، حيث تجرى الشركة حاليًا مفاوضات لتصدير منتجاتها.
وتعمل الشركة على تنفيذ خطة طموحة للتحول إلى استخدام الطاقة المتجددة «الشمسية وطاقة الرياح» والهيدروجين الأخضر فى عمليات الإنتاج، بهدف تصنيف منتجاتها كـ«صلب أخضر» يحظى بميزة تنافسية عالمية.
كما تولى الشركة اهتمامًا خاصًا بتطوير الأساليب الإنتاجية، وتحسين الجودة، ورفع كفاءة العاملين كأساس لضمان استدامة هذه الصناعة الحيوية.
بدوره، استعرض الدكتور مهندس محمود فكرى محمود، رئيس مجلس إدارة شركة السويس للصلب، أبرز إنجازات الشركة الصناعية، حيث أكد أن مصنع قضبان السكك الحديدية والستائر المعدنية يمثل نقلة نوعية غير مسبوقة فى الصناعة المصرية.
وأشار إلى أن هذا المصنع يعد الأول من نوعه على مستوى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، لافتًا إلى أن مصر كانت تعتمد كليًا على استيراد قضبان السكك الحديدية قبل إنشائه.
وأوضح «فكرى» أن المصنع نجح منذ بدء تشغيله فى توفير ما يزيد على ٦٠٠ مليون دولار سنويًا كانت تنفق على الاستيراد، مؤكدًا أن هذه الخطوة تمثل نقلة استراتيجية نحو توطين الصناعات الثقيلة وتعزيز الاكتفاء الذاتى.
وأضاف أن المصنع ينتج حاليًا حوالى ٧٤٠ منتجًا مختلفًا كانت تستورد فى السابق، مع إمكانية التصدير للخارج بفضل القدرات الإنتاجية الجديدة.
وكشف رئيس مجلس الإدارة عن أن الطاقة الإنتاجية للمصنع تتجاوز ٨٠٠ ألف طن سنويًا، ما يغطى احتياجات السوق المحلية بالكامل، ويوفر فائضًا للتصدير إلى الأسواق العربية والإفريقية، وهو ما يتوافق مع رؤية الدولة لتعزيز الصادرات الصناعية.
فى سياق متصل، استعرض «فكرى» إنجازات مصنع مكورات الحديد الجديد، الذى يعد أحد أعمدة الإنتاج الحديثة فى الشركة، مشيرًا إلى أن المصنع متخصص فى إنتاج مكورات الحديد، والحديد الإسفنجى، والبليت، بالإضافة إلى لفائف الصلب المسطح وثانى أكسيد التيتانيوم والحديد الزهر السائل.
وبين أن الطاقة الإنتاجية لهذا المصنع تصل إلى ٥ ملايين طن سنويًا، وأسهم بشكل كبير فى خفض فاتورة الاستيراد بحوالى ٤٠٠ مليون دولار سنويًا، ما يمثل إنجازًا اقتصاديًا بارزًا للدولة المصرية.
ووصف مهندسو وفنيو وعمال الشركة مصانعها بأنها «معجزة عالمية على أرض مصرية»، مشيرين إلى أن المصانع والمنظومات الإنتاجية المتكاملة التى تم إنشاؤها تثبت قدرة مصر الصناعية.
وأكد العاملون أن العمل فى مصنعى «مكورات الحديد» و«قضبان السكك الحديدية» يتم على مدار الساعة وفق أعلى معايير الجودة والدقة، ما يعكس الإرادة الوطنية القوية عندما تتكامل مع التخطيط العلمى الدقيق والاستثمار الأمثل فى الموارد البشرية.
ويرى الخبراء والمسئولون أن صناعة الحديد والصلب فى مصر تقف على أعتاب مرحلة جديدة من التطور والازدهار، مدعومة برؤية سياسية واضحة وخطط تطوير طموحة واستثمارات وطنية جادة، مؤكدين أن الحلم المصرى بتحويل البلاد إلى مركز إقليمى لصناعة الصلب أصبح أقرب إلى التحقق من أى وقت مضى.
ومع التطور المتسارع الذى تشهده شركة السويس للصلب والإنجازات الكبيرة التى تحققها على الأرض، تبعث الصناعة الوطنية رسالة واضحة مفادها بأن مصر قادرة على تحقيق المستحيل عندما تتخذ القرار وتوفر الإرادة السياسية والموارد اللازمة.
0 تعليق