«حلاوة المناسبة» الإفتاء توضح حكم شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها في ذكرى ميلاد الرسول

«حلاوة المناسبة» الإفتاء توضح حكم شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها في ذكرى ميلاد الرسول

إن شراء حلوى المولد النبوي وتقديمها كهدايا في ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم يعتبر أمرًا محببًا ومستحسنًا، فهو يعزز إظهار البهجة والسرور بهذه المناسبة الدينية المباركة، إذ يحتفل المسلمون بذكرى ميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم كفرحة بولادة الرسول الكريم، وتبادل التهاني والهدايا يعمق مشاعر الفرح والاحتفاء

يتساءل الكثيرون عن حكم شراء حلوى المولد النبوي وتقديمها كهدايا احتفالاً بذكرى ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي هذا العام، أعلن المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية أن موعد المولد النبوي الشريف سيوافق يوم الإثنين 16 سبتمبر 2024، الموافق 12 ربيع الأول 1446 هـ

تحل علينا ذكرى المولد النبوي الشريف، وهي فرصة عظيمة للمسلمين للاحتفال بذكرى ولادة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ويُشجع على إظهار السرور والبهجة بهذه المناسبة، حيث يعيش المسلمون أجواء الاحتفالات وتبادل الحلويات والتهاني

أجابت دار الإفتاء المصرية على هذا السؤال بأن الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف والابتهاج بها يعد من أفضل الأعمال وأجلّ القربات، ويستحب إحياء هذه الذكرى بكل مظاهر الفرح والسرور، وبكل طاعة يتقرب بها إلى الله عز وجل، ويدخل في ذلك ما تعارف عليه الناس من شراء الحلوى وتبادلها في المولد الشريف، فرحًا بمولده صلى الله عليه وآله وسلم، ومحبةً لما كان يحبه، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب الحلواء، ويحب العسل” رواه البخاري وأصحاب السنن وأحمد، فكان هذا الصنيع منهم سنة حسنة، كما أن التهادي أمر مطلوب في ذاته، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «تهادوا تحابوا» رواه الإمام مالك في “الموطأ”، ولم يقم دليل على المنع من القيام بهذا العمل أو إباحته في وقت دون وقت، فإذا انضمت إلى ذلك المقاصد الصالحة الأخرى، كإدخال السرور على أهل البيت وصلة الأرحام، فإنه يصبح مستحبًا مندوبًا إليه، فإذا كان ذلك تعبيرًا عن الفرح بمولد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، كان أشد مشروعية وندبًا واستحبابًا، لأن للوسائل أحكام المقاصد

يوافق اليوم ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، وتشهد هذه المناسبة احتفالات متنوعة تمتد من بداية شهر ربيع الأول إلى نهايته، وتعتبر هذه الاحتفالات فرصة للابتهاج بمولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويُشجع على شراء الحلوى وتقديمها كهدايا احتفالاً بهذه المناسبة، ولا بأس من إظهار السرور والفرح بمناسبة مولده الشريف

أكد العلماء على استحباب إظهار السرور والفرح بشتى المظاهر والأساليب المشروعة في الذكرى العطرة لمولده الشريف صلى الله عليه وآله وسلم

يقول الحافظ السيوطي في “حسن المقصد في عمل المولد” المطبوع ضمن “الحاوي للفتاوي”: [فيستحب لنا أيضًا إظهار الشكر بمولده بالاجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرات، ثم رأيت إمام القراء الحافظ شمس الدين ابن الجزري قال في كتابه المسمى “عرف التعريف بالمولد الشريف” ما نصه: “قد رُؤِيَ أبو لهب بعد موته في النوم، فقيل له: ما حالك، فقال: في النار، إلا أنه يخفف عني كل ليلة اثنين وأمص من بين أصبعي ماءً بقدر هذا -وأشار لرأس أصبعه- وأن ذلك بإعتاقي لثويبة عندما بشرتني بولادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبإرضاعها له”، فإذا كان أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمه جوزي في النار بفرحه ليلة مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم به، فما حال المسلم الموحد من أمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسر بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته صلى الله عليه وآله وسلم! لعمري إنما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله جنات النعيم”]، وقال الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي في كتابه المسمى “مورد الصادي في مولد الهادي”: “قد صح أن أبا لهب يخفف عنه عذاب النار في مثل يوم الاثنين لإعتاقه ثويبة سرورًا بميلاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم أنشد: إذا كان هذا كافــرًا جاء ذمّه، وتبَّتْ يداه في الجحـيم مُخَلَّدا أتى أنه في يوم الاثنين دائمًـــا، يخفف عنه للسرور بأحمد فما الظنُّ بالعبد الذي كان عمرَه، بأحمدَ مسرورًا ومات موحدًا”، وقال الكمال الإدفوي في “الطالع السعيد”: “حكى لنا صاحبنا العدل ناصر الدين محمود بن العماد أن أبا الطيب محمد بن إبراهيم السبتي المالكي نزيل قوص، أحد العلماء العاملين، كان يجوز بالمكتب في اليوم الذي فيه ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيقول: يا فقيه، هذا يوم سرور؛ اصرف الصبيان، فيصرفنا، وهذا منه دليل على تقريره وعدم إنكاره، وهذا الرجل كان فقيهًا مالكيًّا متفننًا في علوم، متورعًا، أخذ عنه أبو حيان وغيره، ومات سنة خمس وتسعين وستمائة هـ”

– الرد على دعوى بدعية شراء حلوى المولد وأنها أصنام

أما الزعم بأن شراء الحلوى في المولد أنها أصنام وبدعة وحرام ولا يجوز الأكل منها ولا إهداؤها، فقد أوضحت دار الإفتاء أن هذا الكلام باطل ولا أساس له من الصحة، وهو يدل على جهل قائليه بالشريعة الإسلامية السمحة، وسطحية فهمهم لمقاصدها وأحكامها، فهذه الأقوال ما هي إلا بدع مرفوضة لم يسبق لأحد من علماء المسلمين، لا قديمًا ولا حديثًا، أن قال بها، ولا يجوز العمل بها أو الاعتماد عليها، لأنها تشبه المسلمين المحبين لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالمشركين العاكفين على الأصنام، وهذا هو عين مسلك الخوارج الذين يعمدون إلى النصوص التي نزلت في المشركين ويطبقونها على المسلمين، الله سبحانه وتعالى يقول منكرًا على أصحاب هذا المنهج: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ۝ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [القلم: 35-36]، ويلزم من هذه الأقوال الفاسدة تحريم مظاهر الفرح بمولد النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا، بالإضافة إلى مخالفته للفطرة السوية، يعد مخالفة صريحة لعمل الأمة المحمدية، فالأمة الإسلامية على مر العصور تحتفل وتفرح وتتبادل الهدايا، وتوسع على الفقراء والعيال في ذكرى المولد الشريف، دون إنكار من أحد، ابتهاجًا بمولد الهادي البشير صلى الله عليه وآله وسلم، والنفوس بطبيعتها مفطورة على الفرح بمن تحب، ولا يوجد أعظم ولا أحق بالفرح من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، هذه الدعوى الفاسدة تستلزم تضليل الأمة وتجهيل علمائها في كل زمان ومكان

بناءً على ما سبق، فإن شراء الحلوى وتبادلها، والتوسعة على الأهل والعيال، وسائر مظاهر الفرح الدنيوية المباحة بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كلها أمور جائزة شرعًا ولا حرج فيها، بل يثاب المسلم على نيته الطيبة وقصده الحسن من محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه، وفي ذلك فضل عظيم، فالوسائل تأخذ حكم المقاصد، ومن باب أولى تشرع المظاهر الدينية للاحتفال، مثل قراءة القرآن الكريم، وتلاوة السيرة النبوية العطرة، وإحياء مجالس الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والإنشاد والتغني بمدائحه الكريمة وشمائله العظيمة صلى الله عليه وآله وسلم، أما الأقوال التي تحرم على المسلمين الاحتفال بنبيهم صلى الله عليه وآله وسلم والتعبير عن سرورهم بمولده الشريف صلى الله عليه وآله وسلم بشتى وسائل الفرح المباحة، فهي أقوال باطلة وآراء فاسدة لا يلتفت إليها، ولم يسبق من ابتدعها إليها أحد من أهل العلم، ولا يجوز الأخذ بها أو التعويل عليها