في مسعى جاد نحو تعزيز الحماية الرقمية في مؤسسات التعليم العالي بالمغرب، قام فريق من الباحثين المغاربة بتطوير نظام مبتكر تحت اسم “BlockMEDC” يهدف إلى تأمين الشهادات الجامعية الإلكترونية ضد أي تلاعب أو تعديلات غير مصرح بها، مما يضمن سلامة الوثائق الأكاديمية، ويحافظ على مصداقيتها.
هذا المشروع، حسب ما ورد في مقال علمي نشر في مجلة “IEEE Access” الصادرة عن “معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات حرة الوصول” بالولايات المتحدة الأمريكية، يندرج ضمن رؤية المغرب الرقمية 2030 واستراتيجية “Pacte ESRI 2030″، اللتين تسعيان إلى تحديث قطاع التعليم العالي والبحث العلمي عبر دمج أحدث التقنيات الرقمية.
فريق البحث والرؤية وراء المشروع
الفريق البحثي، الذي ضم كلاً من محمد فرتيتشو، الأستاذ الباحث بالمدرسة الوطنية للذكاء الاصطناعي والرقمنة ببركان (جامعة محمد الأول)، وإسماعيل لمعقل، الباحث في سلك الدكتوراه (جامعة محمد الأول)، وخالد المكاوي وزكرياء العلالي، الأستاذين الباحثين بالكلية متعددة التخصصات بالناظور (جامعة محمد الأول)، إضافة إلى ياسين مليح، الأستاذ الباحث بجامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال، استوحى فكرة هذا المشروع من الحاجة الماسة إلى تحسين مستوى الأمان والكفاءة في نظام الشهادات الرقمية الحالي بالمغرب.
تزايد الهجمات السيبرانية وضرورة الأمن الرقمي
أشار الباحثون إلى الارتفاع الملحوظ في الهجمات السيبرانية التي شهدها المغرب مؤخراً، بدءاً من عام 2025، كان آخرها استهداف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتسريب بيانات حساسة لملايين الأفراد، وتلتها هجمات حجب الخدمة (DDoS) التي استهدفت مواقع حكومية متعددة، واستندوا في ذلك إلى تقارير دولية تؤكد أن المغرب أصبح هدفاً رئيسياً للهجمات السيبرانية في إفريقيا، بالإضافة إلى اهتمام الحكومة المغربية بمضاعفة الجهود لتفعيل استراتيجية شاملة للأمن السيبراني وتعزيز القدرات على مواجهة هذه التهديدات المتزايدة، مع التركيز على دمج التكنولوجيا المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين في البنية التحتية الرقمية الوطنية.
آلية عمل نظام “BlockMEDC”
يعتمد النظام على تقنية “البلوك تشين” باستخدام العقود الذكية (Smart Contracts) على شبكة “Ethereum”، بالإضافة إلى نظام التخزين اللامركزي “IPFS”، وذلك لضمان أعلى مستويات الأمان والشفافية في عمليات إصدار وإدارة وتدقيق الشهادات الأكاديمية.
أهداف ومزايا النظام المبتكر
وفقاً للمقال البحثي، يهدف مشروع “BlockMEDC” إلى معالجة التحديات التي يواجهها النظام الحالي، مثل التزوير، والتحقق اليدوي البطيء، وغياب التوافق بين الجامعات المغربية.
كما يتيح النظام إصدار الشهادات الرقمية بشكل تلقائي وفوري بمجرد استيفاء الشروط الأكاديمية المطلوبة، مع ضمان حماية كاملة للبيانات من التلاعب بفضل الطبيعة اللامركزية لتقنية “البلوك تشين”، فضلاً عن توفير حساب أكاديمي موحد لكل طالب وأستاذ، مما يسهل إدارة السجلات الأكاديمية ويعزز التوافق بين مختلف المؤسسات التعليمية.
مميزات إضافية وتوفير التكاليف
من أبرز ميزات هذا النظام، الذي تم إيداع طلب براءة اختراعه لدى المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية (OMPIC) بدعم من رئيس جامعة محمد الأول، قدرته على تمكين الأساتذة من مراقبة سلامة درجات الطلاب قبل وبعد عملية المداولة، بالإضافة إلى إصدار شهادات رقمية للأساتذة أنفسهم، مثل شهادات التأهيل الجامعي، كما يساهم النظام في تقليل التكاليف الإدارية والبيئية من خلال الاستغناء عن الوثائق الورقية، إذ لا تتجاوز الرسوم الإجمالية للشهادات الجامعية للطالب الواحد، من الإجازة إلى الدكتوراه، 5 دراهم فقط، مما يدعم الاستدامة البيئية، التي تعتبر إحدى الأولويات في رؤية المغرب الرقمية.
تطلعات مستقبلية وتوسيع نطاق النظام
على الرغم من النجاحات التي حققها المشروع، أشار الباحثون إلى أن النظام لا يزال مقتصراً على التعليم العالي، واقترحوا توسيع نطاقه ليشمل مستويات التعليم ما قبل الجامعي من خلال دمج نظام “مسار” (MASSAR) المغربي، كما يخطط الفريق لتحسين التوافق مع المنصات التعليمية العالمية في المستقبل.
نحو تعزيز البنية التحتية الرقمية في المغرب
يرى مطورو هذا النظام أنه يمثل خطوة أولى نحو توسيع استخدام تقنية “البلوك تشين” في قطاعات أخرى حيوية مثل الصحة والطاقة، مما يعزز مناعة البنية التحتية الرقمية في المغرب، وهم يتوقعون تعاوناً فعّالاً ودعماً مالياً ولوجستياً من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، ووزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، بهدف ضمان تنفيذ مشروع “BlockMEDC” على أرض الواقع، ليشمل جميع مستويات النظام التعليمي المغربي، ودمجه في العمليات الرسمية لإصدار الشهادات الرقمية في الجامعات المغربية.