يشهد المجتمع المغربي بين الحين والآخر، قيام البعض بتخريب الفضاءات والممتلكات العامة، دون فهم واضح لدوافعهم أو أهدافهم، وتتنوع هذه الأفعال بين سرقة أغطية البالوعات، وتشويه وسائل النقل العمومي، وتدمير المساحات الخضراء، مما يثير القلق حول دوافع هذه التصرفات، وأثرها على المجتمع ككل
تخريب المرافق العمومية: مثال أكادير
يُعتبر حادث أكادير مثالًا صارخًا على استمرار ثقافة الاعتداء على المرافق العامة، حيث قام شخص بتشويه مقاعد خرسانية باستخدام زيت المحركات المستعمل، وقد أدت هذه الواقعة إلى توقيف شاب ثلاثيني، للاشتباه في تورطه في إلحاق أضرار مادية بالممتلكات العامة، وتخريب ممتلكات مخصصة للمنفعة العامة، مما يوضح حجم التحدي الذي يواجهه المجتمع في الحفاظ على ممتلكاته
أسباب تخريب الممتلكات العامة من وجهة نظر علم الاجتماع
أكد باحثون في علم الاجتماع أن “تخريب هذه الممتلكات والتلاعب بها يعود بشكل مباشر إلى مستوى التربية لدى المتورطين فيها، وكذلك إلى طبيعة المعارف التي اكتسبوها، سواء في الأسرة أو المدرسة، خاصة فيما يتعلق بثقافة التعامل مع الممتلكات العامة”، ويرى الباحثون أن نقص الوعي بأهمية الممتلكات العامة، وعدم غرس قيم احترامها، يسهم في تفشي هذه الظاهرة، مما يستدعي تضافر جهود الأسرة والمدرسة لتعزيز هذه القيم
ينص الفصل 595 من القانون الجنائي على أن “يعاقب بالحبس من شهر إلى سنتين وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم كل من هدم أو كسر أو خرب أو عيب شيئًا مما يلي:
- بناء أو تمثالًا أو رسمًا أو أي شيء آخر مخصصًا للزينة والمنفعة العامة، أنشأته أو وضعته السلطة العامة أو أذنت به
- بناء أو تمثالًا أو رسمًا أو شيئًا ذا قيمة فنية معروضًا في متحف أو مكان مخصص للعبادة
- أي مبنى مفتوح للجمهور، وتوضح هذه المادة القانونية خطورة هذه الأفعال، والعقوبات المترتبة عليها
دور التربية في الحد من التخريب
أوضح إبراهيم حمداوي، الباحث في علم الاجتماع، أن “تخريب الفضاءات العامة يرتبط بشكل كبير بمستوى التربية لدى المتورطين في مثل هذه السلوكيات، التي لا تزال للأسف منتشرة في مجتمعنا، وتظهر أمثلة عليها بين الحين والآخر”، ويشير حمداوي إلى أن ضعف الوازع التربوي، وعدم ترسيخ قيم احترام الممتلكات العامة، يساهم في استمرار هذه المشكلة، مما يستدعي إعادة النظر في أساليب التربية والتوعية
ويرى حمداوي، في حديثه، أن “المعنيين بهذا الأمر لا يعتبرون الفضاءات العامة جزءًا من بيئتهم المجتمعية، أو امتدادًا لمنازلهم”، مضيفًا أن “الأسرة والمدرسة لم تنجحا بعد في هذا الاختبار، من خلال تخريج أفراد لا يتعاملون بمسؤولية مع الممتلكات العامة”، ويشدد حمداوي على أهمية تعزيز الشعور بالمسؤولية تجاه الممتلكات العامة، وغرس قيم المواطنة الصالحة لدى الأفراد
وأكد حمداوي أن “الأكثر غرابة هو أن بعض الأفراد يعادون المرافق العامة، مما يؤدي إلى تصرفات سلبية مثل تخريب الطاولات وتجهيزات الملاعب، وكل ما يقدم مصلحة عامة، وهو ما يدل على أن هؤلاء يهتمون بمصالحهم الشخصية فقط”، ويوضح حمداوي أن هذا السلوك يعكس غياب الوعي بأهمية الممتلكات العامة، وتأثيرها على جودة حياة المجتمع
المسؤولية المجتمعية في الحفاظ على الممتلكات العامة
يتفق الحسين العمري، الباحث في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، مع الرأي القائل بأن “الإقدام على تخريب الممتلكات العامة التي تقدم خدمات للمواطنين، ضمن منطقة حضرية معينة، يعود بشكل أساسي إلى التربية التي يتلقاها الفرد، سواء في الأسرة أو في الفصول الدراسية، مما يؤكد وجود مسؤولية مشتركة ومجتمعية أيضًا”، ويؤكد العمري على أهمية تضافر جهود جميع أفراد المجتمع، والمؤسسات التعليمية، والأسر، للحفاظ على الممتلكات العامة
ويوضح العمري أن “هذه السلوكيات تؤكد فشل المؤسستين المذكورتين في توعية الأفراد الذين يتوليان مسؤولية تكوينهم”، مشيرًا إلى أن “الواقع يظهر أن الوسائل المستخدمة لتجاوز هذا الأمر قد لا تعطي نتائج مؤكدة”، ويشدد العمري على ضرورة تطوير أساليب التوعية والتثقيف، لتتناسب مع التحديات المعاصرة، وتحقق نتائج ملموسة
ويرى العمري أن “الدول المتقدمة وصلت إلى مستوى ثقافي وحضاري يفرض احترام الأماكن العامة على المواطنين، الذين يستفيدون منها في الأساس”، مشيرًا إلى أن “الوصول إلى النتائج نفسها يتطلب فتح حوار حول الأسباب الكامنة وراء هذه السلوكيات”، ويختتم العمري بالتأكيد على أهمية الحوار المجتمعي، وتبادل الأفكار، للوصول إلى حلول فعالة لمشكلة تخريب الممتلكات العامة