يا جدعان: إلغاء الانتقاء في إجازات التربية.. عدالة ولا لعب عيال؟

يا جدعان: إلغاء الانتقاء في إجازات التربية.. عدالة ولا لعب عيال؟

أثار قرار وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، محمد سعد برادة، بشأن إعفاء حاملي الإجازة في علوم التربية من الانتقاء الأولي لمباريات التعليم جدلا واسعا في الأوساط التربوية والحقوقية، هذا الإجراء، الذي أعلن عنه رسميا في شهر ماي، يأتي ضمن سلسلة من التدابير الرامية إلى تشجيع المسار الأكاديمي لطلاب علوم التربية، وتمكينهم من الدخول المباشر إلى مراحل متقدمة في مباريات التوظيف، دون الحاجة إلى المرور بإجراءات الانتقاء الأولي المطبقة على حاملي الإجازات في التخصصات الأخرى.

أكد الوزير أن هذا القرار لا يعني إغفال التحقق من الشروط القانونية والإدارية في ملفات الترشيح، بل يهدف إلى إدراج هؤلاء المرشحين في قائمة خاصة ضمن المقاعد المخصصة لهم تلقائيًا، وذلك في إطار دعم استمرارية التكوين في المجال التربوي، وأوضح برادة أن هذه الخطوة تتماشى مع الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم، وتسعى إلى تعزيز جاذبية مسالك علوم التربية في الجامعات المغربية، بعد أن شهدت تراجعا نسبيا في السنوات الأخيرة لصالح تخصصات أخرى.

حظي القرار بترحيب واسع من الطلاب المقبلين على التخرج في الإجازات التربوية، الذين اعتبروه نوعا من “الإنصاف الأكاديمي” لمسارهم التكويني المتخصص، في المقابل، عبرت أصوات أخرى عن مخاوف من أن يؤدي هذا الإجراء إلى تهميش خريجي التخصصات الأخرى، خاصة العلوم الإنسانية كالآداب والفلسفة والجغرافيا، التي كانت تاريخيا مصدرا مهما لمهنة التعليم، محذرين من أن يتحول هذا الامتياز إلى وسيلة غير مباشرة للإقصاء الممنهج.

### حاجة مزدوجة
أوضح مراد شويكة، الحقوقي المهتم بقضايا الطفل والشباب، أن قرار وزارة التربية الوطنية بمنح الأولوية لحاملي إجازة التربية يتماشى مع الحاجة الملحة إلى مدرسين متكونين في علوم التربية، وأكد أن هذه الخطوة تعكس وعيا رسميا بأهمية الكفاءة البيداغوجية في إعداد الأطر التعليمية، خاصة في المراحل الإشهادية التي تستهدف الفئات العمرية الحرجة.

وأضاف شويكة، في تصريح صحفي، أن الاعتماد على هذا المسار وحده قد لا يكفي لضمان الجودة والعدالة، مشيرا إلى أن توسيع دائرة الانتقاء لتشمل حاملي الإجازات الأخرى، خاصة في المجالات ذات الصلة بالمجتمع والإنسان، ضروري لتوفير تنوع معرفي وثقافي في الجسم التربوي، شريطة إخضاع الجميع لتكوين بيداغوجي صارم قبل تولي المسؤولية داخل الفصل.

كما شدد على أن مستقبل العلوم الإنسانية لا يجب أن يكون مرتبطا بأولويات الوزارة التقنية، بل يستلزم إدماجها في رؤية أوسع لإصلاح التعليم، تبدأ بإنشاء مراكز بحث حقيقية تتولى تجديد هذه المعارف وربطها بالواقع الوطني، بدلا من تركها عرضة للتهميش أو الإقصاء في سوق الشغل، وهو ما سيكون له انعكاسات سلبية على الأجيال القادمة.

### توجه سليم
من جهة أخرى، رأى بن الناصر القدار، مفتش التوجيه التربوي، أن “قرار الوزير برادة يمثل اتجاها سليما نحو ترشيد التكوينات الجامعية وربطها بشكل مباشر باحتياجات سوق العمل، خاصة في قطاع التعليم الذي يتطلب كفاءات متخصصة ومؤهلة تربويا”، وأشار إلى أن “الإبقاء على الانتقاء بالنسبة للتخصصات الأخرى لا يعني استبعادها، بل هو دعوة ضمنية لإعادة التوجيه نحو تخصصات تتناسب بشكل أفضل مع متطلبات المدرسة المغربية”.

وأوضح القدار، في تصريح لجريدة إلكترونية، أن “العلوم الإنسانية ليست مستهدفة بهذا القرار، بل المطلوب هو ألا يُنظر إليها على أنها الطريق الوحيد للتدريس، بل هي مجال معرفي مستقل بذاته، يجب أن يقبل عليه من لديه شغف حقيقي وإرادة أكاديمية صادقة”، واعتبر أن “الاستمرار في توجيه أعداد كبيرة نحو هذه التخصصات، دون رؤية واضحة، يؤدي إلى تكدس الخريجين وتفاقم البطالة، وهو ما يتطلب اتباع نهج أكثر عقلانية في التوجيه الجامعي”.

وأكد مفتش التوجيه نفسه على أن “إتاحة الفرصة لحاملي الإجازة في علوم التربية لدخول مباريات التعليم مباشرة هي خطوة يجب استكمالها بتوسيع نطاق العرض التكويني في هذه المسالك، وتشجيع الطلاب على الالتحاق بها، مع الحفاظ على إمكانية اختيار الكفاءات من التخصصات الأخرى وفق معايير دقيقة، حتى لا يتم فرض توجه واحد على الجميع”، واختتم بأن “التعليم اليوم يحتاج إلى مقاربة تجمع بين التخصص التربوي والمعرفة، وهو ما يستدعي إعادة النظر في هيكل التكوين الجامعي بأكمله”.