[يا جدعان.. التعليم هيتغير! الأكاديميات تناقش دمج التربية الإعلامية في المناهج]

[يا جدعان.. التعليم هيتغير! الأكاديميات تناقش دمج التربية الإعلامية في المناهج]

تعكف الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين في المملكة المغربية على تنظيم سلسلة من المشاورات المكثفة، وذلك في سياق مشروع شامل يهدف إلى مراجعة وتطوير المناهج الدراسية، ومن بين أبرز المحاور التي يتم تداولها، يبرز موضوع إدماج “التربية الإعلامية” كعنصر جوهري في صلب البرامج التعليمية، وذلك استجابة للتحولات التكنولوجية المتسارعة التي يشهدها العالم، وأيضًا بهدف تعزيز وتنمية مهارات التفكير النقدي لدى الطلاب، وتمكينهم من مواجهة التدفق الهائل للمحتويات الرقمية المتنوعة.

ويؤكد العديد من الفاعلين التربويين على أن المؤسسات التعليمية المغربية تواجه اليوم تحديًا كبيرًا، يتمثل في ضرورة مواكبة التطورات المتسارعة التي طرأت على البيئة المحيطة بالمتعلمين، وذلك من خلال تزويدهم بالأدوات والمهارات اللازمة لتحليل وتقييم المعلومات، والتمييز بين الأخبار الزائفة والمحتويات الموثوقة، ويرى هؤلاء الخبراء أن تضمين التربية الإعلامية في المناهج الدراسية يمثل ضرورة حتمية لحماية الطلاب من المخاطر المحتملة في الفضاء الرقمي، وتعزيز قدرتهم على التفاعل الإيجابي والمسؤول مع مختلف الوسائط الإعلامية الحديثة.

وترى فعاليات حقوقية أن إدراج التربية الإعلامية في صلب المنظومة التعليمية لا يقتصر فقط على توفير الحماية من الأخبار الكاذبة وخطابات التحريض على الكراهية، بل يهدف أيضًا إلى غرس قيم المواطنة الرقمية المسؤولة، وتعزيز الوعي بأهمية حرية التعبير المنضبطة، ويشير متابعون إلى أن هذا التوجه يجب أن يستند إلى رؤية تربوية متكاملة، ترتكز على تأهيل وتكوين المعلمين، وتحديث محتوى الدروس بما يتناسب مع احتياجات الطلاب وتطلعاتهم.

ضرورة ملحة

أكد سعيد المرزوقي، الخبير التربوي والمساهم في إعداد المسودات المقدمة للأكاديميات الجهوية، أن التربية الإعلامية لم تعد مجرد خيار ثانوي في العملية التعليمية، بل أصبحت ضرورة استراتيجية ملحة تتطلب تبني مقاربة شاملة ومتكاملة، وأوضح أن الأطفال في عصرنا الحالي يعيشون في بيئة معقدة ومتغيرة باستمرار، مما يستوجب على المؤسسات التعليمية تزويدهم بالأدوات الضرورية للقراءة النقدية، والتفاعل الواعي مع المضامين الرقمية المختلفة.

وأضاف المرزوقي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن بعض الأكاديميات قد بدأت بالفعل في تبني مقترحات أولية تهدف إلى إدماج التربية الإعلامية في المناهج الدراسية، وذلك من خلال ربط المفاهيم الإعلامية بقيم المواطنة وحقوق الإنسان، وأشار إلى أن هذه المقاربة تسعى إلى تطوير كفاءات الطلاب، ليس فقط على مستوى الفهم والاستيعاب، بل أيضًا في قدرتهم على تحليل المحتوى الإعلامي، وتحديد مصادره، وفهم السياقات والأهداف التي يرمي إليها.

كما أوضح المتحدث ذاته أن المسودات المقترحة تركز على تضمين أنشطة تطبيقية عملية داخل الفصول الدراسية، مثل تحليل الصور والمقاطع المصورة، وتفكيك الرسائل الإعلانية، وتطبيق تقنيات التحقق من صحة الأخبار الزائفة، ولفت إلى أن الهدف من هذه الأنشطة لا يقتصر على تزويد الطلاب بالمهارات التقنية اللازمة، بل يهدف أيضًا إلى تعزيز الحس النقدي لديهم، وتدريبهم على قراءة المحتوى بوعي واستقلالية، في زمن أصبحت فيه الصورة والمعلومة جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية.

وشدد المرزوقي على أن إدماج التربية الإعلامية في المنظومة التعليمية لا يمكن أن يتحقق بشكل كامل وفعال دون وجود إرادة سياسية واضحة، مصحوبة بإعادة هيكلة شاملة لبرامج تكوين وتأهيل الأطر التربوية، واعتبر أن تعزيز كفاءات المعلمين في المجالين الرقمي والإعلامي يشكل ركيزة أساسية لإنجاح هذا الورش الطموح، مشيرًا إلى أن المعلم لا يمكنه مواكبة الطلاب وتأطيرهم بشكل فعال إذا لم يكن متمكنًا من الأدوات النظرية والعملية التي تؤهله للقيام بهذا الدور الحيوي.

نحو رؤية متكاملة

يرى إبراهيم الشعبي، رئيس المركز الوطني للإعلام وحقوق الإنسان والأستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، أن التربية الرقمية تمثل امتدادًا طبيعيًا للتربية الإعلامية، ولا يمكن فصلهما عن بعض، ويعتقد أن التأثير الذي تحدثه محتويات وسائل التواصل الاجتماعي اليوم يفوق بكثير تأثير الإعلام التقليدي، مما يستدعي تعزيز الوعي لدى المتعلمين في سن مبكرة.

وفي تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أوضح الشعبي أن القانون المغربي يفرق بين الصحافة المهنية ومحتويات التواصل الاجتماعي، حيث يعرف الصحافة الرقمية كامتداد للعمل الصحفي، بينما لا تندرج شبكات التواصل ضمن هذا التعريف، ومع ذلك، يؤكد على ضرورة توعية الأطفال بأهمية التمييز بين المحتوى الإعلامي المهني والمضامين الرقمية العشوائية التي قد يواجهونها.

وذكر المتحدث ذاته أن تدريس التربية الإعلامية يجب أن يتم في إطار من حرية التعبير، لأنها الأساس الذي يمكن الطالب من تطوير الحس النقدي وفهم المحتويات التي يتلقاها، وأوضح أن ترسيخ هذه القيمة سيساعد المتعلمين على تكوين مواقف مستقلة، قائمة على التحليل والتمحيص لا على التلقين الأعمى، مما يعزز قدرتهم على التفاعل الواعي مع مختلف الرسائل الإعلامية.

وأشار الحقوقي ذاته إلى أن من بين الشروط الأساسية لإنجاح إدماج التربية الإعلامية، ضرورة البدء في تدريسها منذ المرحلة الابتدائية، حتى تتشكل لدى الطفل مناعة معرفية مبكرة، كما شدد على أهمية وجود إرادة سياسية حقيقية تدعم هذا التوجه، معتبرًا أن غيابها سيجعل المشروع مجرد مبادرة محدودة تفتقر إلى الفعالية والاستدامة داخل المنظومة التعليمية.

وفي معرض تفاعله مع سؤال لجريدة هسبريس حول الفهم الخاطئ الذي قد يسود بشأن حرية التعبير داخل المؤسسات التعليمية، نبه مدير موقع “لوبوكلاج” إلى أن هذه الحرية لا تنفصل عن المسؤولية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأطفال واليافعين، واعتبر أن التربية الإعلامية مطالبة بتوضيح الفروق الدقيقة بين التعبير المسؤول، والممارسات التي قد تتعارض مع القانون، مثل نشر خطاب الكراهية أو تبادل المحتويات الإباحية.