[يا سلام سلم: الفقر في المغرب.. خريطة جديدة تكشف المستور ولا حلول؟ ]

[يا سلام سلم: الفقر في المغرب.. خريطة جديدة تكشف المستور ولا حلول؟
]

في تحديث جديد لـ”خريطة الفقر متعدد الأبعاد”، يراعي التحولات و الديناميات التي يشهدها المشهد الترابي، ويهدف إلى توجيه السياسات العمومية للفاعلين العموميين، سواء في مرحلة التخطيط أو التنفيذ، كشفت أبرز النتائج عن تراجع ملحوظ في مؤشرات الفقر متعدد الأبعاد، خاصة في المناطق القروية، مع الإشارة إلى استمرار وجود فوارق كبيرة على المستويات الجهوية والإقليمية والجماعية

استنادًا إلى نتائج دراسة المندوبية السامية للتخطيط، التي اعتمدت على بيانات الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنتي 2014 و2024، تبين أن لسياسات الاستهداف المجالية أثرًا إيجابيًا خلال العقد الماضي، وهي النتائج التي حظيت بتقدير الأكاديميين الاقتصاديين الذين استطلعت هسبريس آراءهم

في أعقاب إحصاء شتنبر 2024، بادرت المندوبية، تحت إشراف شكيب بنموسى، إلى إعادة رسم خريطة الفقر متعدد الأبعاد، وذلك بهدف تحقيق فهم أعمق لأوجه الحرمان المرتبطة بالعجز الاجتماعي في مجالات حيوية كالتعليم والصحة والسكن والولوج إلى البنيات التحتية الأساسية، وفقًا لما أوضحته المندوبية في وثيقة تركيبية

تتيح هذه الخريطة، حسب القائمين عليها، قراءة متكاملة لمظاهر الهشاشة البنيوية والفوارق الاجتماعية على المستويات الجهوية والإقليمية والمحلية، مؤكدة أنها، في سياق الجهوية المتقدمة، تمثل أداة عملية لتوجيه السياسات المعتمدة بما يتلاءم مع خصوصيات كل منطقة ترابية، وذلك بهدف تحسين الظروف المعيشية للسكان

تراجع الفقر: نظرة عن كثب

تعليقًا على نتائج “خريطة الفقر متعدد الأبعاد”، أوضح عبد الرزاق الهيري، مدير مختبر تنسيق الدراسات والأبحاث في التحليلات والتوقعات الاقتصادية بكلية الاقتصاد بفاس، أن قياس الفقر متعدد الأبعاد يعتمد على مجموعة من المؤشرات التي ترتكز على ثلاثة محاور أساسية هي التعليم والصحة وظروف العيش، مشيرًا إلى أن هذه الخريطة تستند إلى نتائج إحصاء عام 2024 لتقييم التقدم المحرز على مدى عقد من الزمن، وتظهر تراجعًا ملحوظًا في مستويات الفقر في المناطق القروية بالمملكة

في المقابل، نبه الهيري، في تصريح لهسبريس، إلى استمرار الفوارق الكبيرة على المستويين الجهوي والإقليمي، وحتى بين الجماعات داخل الجهة الواحدة، مما يستدعي، وفق رأيه، تحركًا عاجلًا وحتميًا من قبل الفاعلين العموميين وصناع السياسات لإعادة توجيه السياسات العمومية المتعلقة بالتعليم والصحة وظروف العيش

يرى الهيري أن سياسات الاستهداف المجالية قد حققت أثرًا إيجابيًا في الحد من الفقر غير النقدي، واصفًا الخريطة بأنها أداة مهمة للتدخل الفعال للدولة في مكافحة الفقر والهشاشة، لأنها تقدم صورة أكثر واقعية للفقر مقارنة بالفقر النقدي والمطلق، كما هو متعارف عليه في الأدبيات الاقتصادية

أضاف المحلل الاقتصادي أن تحسين الظروف المعيشية يتطلب سياسات عمومية فعالة تستند إلى تقييمات واقعية، مشيرًا إلى أهمية ذلك في دستور المملكة المغربية لعام 2011، الذي ينص على ضرورة تقييم السياسات العمومية وإعادة توجيهها بما يخدم مصالح المواطنين

أشار الهيري إلى أنه على الرغم من انخفاض نسبة الفقر متعدد الأبعاد من 11,9% عام 2014 إلى 6,8% عام 2024، وانخفاض عدد الفقراء بالقيمة المطلقة من حوالي 4 ملايين إلى 2,5 مليون نسمة، فإن الفقر متعدد الأبعاد لا يزال ظاهرة قروية تتركز في مناطق تأوي 72% من الفقراء حتى عام 2024

اختتم الهيري حديثه بالتأكيد على أن ذلك يطرح تساؤلات حول السياسات العمومية المتعلقة بتوفير الخدمات الأساسية في المناطق القروية، بما يشمل جودة الصحة والتعليم وتحسين مستوى المعيشة، من حيث توفير الكهرباء والماء والسكن والتطهير، منبهًا إلى أن الخريطة المحينة تؤكد وجود نقص في تدخلات السلطات العمومية لتحسين هذه الخدمات في المناطق القروية

تحديات هوامش الحواضر

يؤكد زكرياء فيرانو، أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط، على ضرورة التمييز بين معايير الفقر النقدي والفقر متعدد الأبعاد، موضحًا أن الأخير يمثل مؤشرًا يعكس أيضًا وضعية الهشاشة والفقر التي تختلف عن معدل الفقراء المحتسب نقدًا بناءً على مداخيلهم اليومية أو الشهرية

بعد أن أوضح فيرانو، في تصريح لهسبريس، أن الفقر متعدد الأبعاد يرتكز على ثلاثة محاور أساسية هي: الولوج إلى الخدمات الصحية، والتربية والتعليم ومؤشرات الهدر المدرسي، وخدمات الكهرباء والماء والتطهير وظروف العيش، لفت إلى التفاوت الترابي الحاصل في تطور المؤشرات، مما يعكس تباينًا حتى في وتيرة التراجع، وهو ما يشير، وفق رأيه، إلى استمرار الفوارق المجالية داخل المناطق الترابية نفسها، على الرغم من الانخفاض العددي في معدلات الفقر

وعلق قائلًا: “لوحظ أنه بالنسبة لجهات مثل مراكش آسفي وبني ملال خنيفرة وفاس مكناس، انخفض الفقر متعدد الأبعاد بنسب أكبر مقارنة بالجهات الجنوبية وجهتي الرباط والدار البيضاء، وذلك خلال الفترة من 2014 إلى 2024، وهو ما يمكن تفسيره بأنه مرتبط بالسياسات المجالية والعمومية المتبعة”

دعا فيرانو إلى زيادة التركيز على تحسين الولوج إلى البنيات التحتية والخدمات الصحية، وإطلاق برامج للحد من الهدر المدرسي بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و 14 عامًا، مع تعزيز السياسات المجالية التي تهدف إلى تحسين الربط بشبكات المياه والكهرباء وتوسيع تغطية الاتصالات والخدمات الرقمية

أوصى بضرورة توجيه المشاريع التنموية، لا سيما الاستثمارات وفرص العمل، نحو المناطق الحضرية بشكل أساسي، بعد تحقيق تقدم ملحوظ في تقليص الفقر في المناطق القروية، مشيدًا بالجهود المبذولة لتقريب الخدمات العمومية الأساسية إلى المناطق القروية، مما ساهم في تغطية أكثر من 92% من المناطق بالماء الصالح للشرب والكهرباء

اختتم فيرانو حديثه بالتأكيد على أن المطلوب هو العمل على معالجة الإشكاليات المتجذرة التي تحكمها طبيعة المجال الحضري والتغيرات الديموغرافية في المجتمع المغربي، مشددًا على أهمية تسريع ورش الجهوية المتقدمة في السنوات العشر القادمة، بهدف القضاء على التفاوتات وتطوير سياسات عمومية مجالية تنطلق من اللامركزية