[يا لهوي! أسباب خطيرة تدفع الطلاب نحو الغش في الامتحانات النهائية: عوامل تربوية ونفسية معقدة وراء الظاهرة ]

[يا لهوي! أسباب خطيرة تدفع الطلاب نحو الغش في الامتحانات النهائية: عوامل تربوية ونفسية معقدة وراء الظاهرة
]

مع انتهاء أول محطة من الامتحانات الإشهادية التي يخوضها الطلاب في نهاية كل عام دراسي، تكتظ منصات التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو مأخوذة من تصريحات الطلاب لوسائل الإعلام، يعبرون فيها عن تذمرهم من “تضييق” بعض المدرسين في المراقبة، متهمين أستاذة بمنعهم من الغش، ومنتقدين أستاذاً آخر لأنه كتب تقريراً بحق طالب ضُبط متلبساً بالغش،

ويتضح من خلال فحوى هذه التصريحات، أن شريحة من الطلاب أصبحت تعتبر الغش في الامتحانات حقاً مشروعاً لا يمكن المساس به، الأمر الذي يطرح أسئلة جوهرية حول الأبعاد التربوية والنفسية التي ساهمت في ترسيخ هذا المفهوم لدى بعض المتعلمين، حيث لم يعد الغش مستهجناً بل مبرراً، ثم يُطالب به وكأنه استحقاق قانوني، وهو وضع يستدعي فتح حوار حول الأسباب الكامنة وراءه، والبحث عن طرق لمواجهة هذه الظاهرة أو على الأقل تقليل انتشارها في البيئة التعليمية،

أصبحت قضية الغش في الامتحانات تشكل تحدياً كبيراً يواجه العملية التعليمية، حيث تتداخل فيها العوامل التربوية والنفسية والاجتماعية لتشكل منظومة معقدة تدفع بعض الطلاب نحو هذا السلوك، ومن الضروري فهم هذه العوامل المتشابكة للتمكن من وضع استراتيجيات فعالة للحد من هذه الظاهرة وتداعياتها السلبية،

عوامل تربوية محفزة

يرى جبير مجاهد، الأستاذ والباحث في المجال التربوي، أن “ظاهرة الغش في الامتحانات الرسمية قد تفاقمت في الوسط التعليمي حتى بات الطلاب يعتبرونها حقاً مكفولاً، ويعزى ذلك إلى عوامل متعددة تغذي هذه الممارسات، أبرزها التركيز على العلامات والنتائج أكثر من الفهم العميق للمادة الدراسية”،

وأوضح مجاهد في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “من بين العوامل التربوية التي أسهمت في انتشار الغش في الامتحانات الرسمية ضعف الثقة بالنفس، حيث يشعر بعض الطلاب بأنهم غير قادرين على النجاح بجهودهم الشخصية، فيلجأون بالتالي إلى الغش، خاصة في ظل تراجع الوازع الأخلاقي والتربوي لديهم”،

ولمكافحة هذه الظاهرة أو الحد من تأثيرها، شدد المتحدث نفسه على أهمية “ترسيخ القيم الأخلاقية والتربوية، وإدراج مفاهيم الأمانة والمسؤولية والنزاهة في المناهج الدراسية، بالإضافة إلى تنظيم حملات توعية داخل المدارس لتنبيه الطلاب إلى خطورة الغش وآثاره السلبية على الفرد والمجتمع، فضلاً عن إصلاح نظام التقييم المعتمد”،

محفزات نفسية وعائلية

ترى ندى الفضل، الأخصائية والمعالجة النفسية العيادية، أن “هذا السلوك يعكس نوعاً من الخداع النفسي الدفاعي الذي يتبعه البعض للتخفيف من الضغط الناتج عن الإخفاق أو الخوف من الامتحان”،

وبينت الفضل في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذه التصرفات قد تنشأ أيضاً عن الإسقاط، بمعنى أن الطالب يلقي باللوم على المراقبة المشددة لتحميلها مسؤولية فشله المحتمل، أو عندما يقتنع بأن الغش ضرورة وليس خياراً، خاصة إذا أحس بأن النظام التعليمي غير عادل”، مشيرة إلى أنه “إذا كان الغش شائعاً في محيط الطالب، فإنه يشعر بأنه لا يرتكب أي خطأ بل يتبع ما هو مألوف”،

وأضافت الأخصائية أن “العوامل النفسية التي تساهم في تبرير الغش متعددة، من بينها ‘ضغط النجاح الاجتماعي’، حيث يرتبط التفوق الدراسي بالمكانة الاجتماعية، فيصبح الهدف هو النتيجة وليس التعلم، بالإضافة إلى ضعف الإحساس بالمسؤولية الفردية، حيث يتضاءل الضمير الأخلاقي تدريجياً لدى بعض الطلاب، خاصة مع غياب القدوة والنماذج التربوية الإيجابية”،

وذكرت المتحدثة نفسها من بين العوامل أيضاً “انعدام الثقة بالنفس، حيث يظن الطالب بأنه لا يمتلك القدرة على النجاح دون اللجوء إلى الغش، فيلجأ إليه كآلية للتعويض”، و”ثقافة التبرير الجماعي، أي عندما يُنظر إلى الغش كوسيلة للبقاء ضمن منظومة مليئة بالتحديات، ينشأ نوع من ‘التواطؤ الصامت بين الزملاء’، محذرة أيضاً من خطورة ‘التطبيع عبر وسائل التواصل، خاصة عندما يتم الاحتفاء بمن ينجح بالغش، وتقديم ممارسات الغش على أنها مواقف ذكية أو بطولية”،

وللحد من تفشي هذه الظاهرة، أكدت المعالجة النفسية العيادية على ضرورة “تعزيز التربية الأخلاقية والضمير المدرسي منذ المراحل الأولى، مع إدماج قيم النزاهة في الحياة الدراسية”، و”اعتماد أساليب تقييم عادلة ومتنوعة، لا تعتمد فقط على الامتحانات النهائية”، و”توفير الدعم النفسي والإرشاد للطلاب، لمساعدتهم على التعامل مع القلق والتوتر الدراسي”،

ودعت ندى الفضل إلى “تدريب المعلمين على اكتشاف ومعالجة أسباب الغش، بدلاً من الاكتفاء بالعقاب”، و”إشراك الأسر في مكافحة الغش، من خلال توعيتهم بمخاطره على المدى الطويل”، و”ربط الاستحقاق بالجهد المبذول لا بالنتيجة المتحققة، بهدف تغيير ثقافة ‘النجاح بأي ثمن”،