شهدت الأسواق المصرية في الآونة الأخيرة تفاقم أزمة البنزين المغشوش، وذلك بعد انتشار العديد من الشكاوى حول تعطل سيارات المواطنين بشكل مفاجئ نتيجة استخدام وقود غير مطابق للمواصفات، مما أثار حالة من القلق والاستياء بين المستهلكين، وتصاعدت حدة الأزمة مع ازدياد المخاوف من تداعياتها المحتملة على الاقتصاد وسلامة المركبات.
ومما زاد الأمور تعقيدًا تصريحات النائب مصطفى بكري، الذي وصف الوضع بأنه “جريمة منظمة تمس حياة المواطنين وأموالهم”، مطالبًا الحكومة بالإفصاح عن الحقائق كاملة أمام الرأي العام، الأمر الذي ألقى بظلال من الشك وعدم الثقة على جودة المنتجات البترولية المتداولة في الأسواق.
ولكن ما هي حقيقة هذه القضية، وهل يملك القانون المصري الأدوات اللازمة لمواجهتها؟
أولًا: طبيعة المشكلة
لا يتعلق الأمر بمجرد مخالفة تموينية بسيطة، بل يتجاوز ذلك إلى ما هو أخطر، حيث يشتبه بقيام بعض محطات الوقود ببيع بنزين مغشوش أو مخلوط بمواد قد تتسبب في تلف محركات السيارات، مما يثير تساؤلات حول مدى التزام هذه المحطات بالمعايير والمواصفات القياسية، وضرورة تفعيل الرقابة الصارمة لضمان سلامة المنتجات المقدمة للمستهلكين.
وتشير التحقيقات الأولية إلى احتمال قيام بعض الموردين أو أصحاب المحطات بخلط البنزين بمواد أرخص، مثل الكيروسين أو المذيبات الصناعية، بهدف تحقيق مكاسب غير مشروعة على حساب حقوق المستهلكين، وهو ما يستدعي تضافر الجهود للكشف عن المتورطين وتقديمهم للعدالة، لضمان عدم تكرار هذه الممارسات المخالفة للقانون.
ثانيًا: الإطار القانوني للجريمة
لم يغفل القانون المصري عن هذه الممارسات، بل جرمها واعتبرها غشًا وتدليسًا وتجارة في مواد ضارة، تستوجب تطبيق أقصى العقوبات على مرتكبيها، وذلك لحماية المستهلكين والحفاظ على حقوقهم في الحصول على منتجات مطابقة للمواصفات القياسية.
1 قانون قمع الغش والتدليس رقم 48 لسنة 1941 والمعدل بالقانون 281 لسنة 1994
-
ينص القانون على عقوبة الحبس من سنة إلى خمس سنوات، بالإضافة إلى غرامة قد تصل إلى 100 ألف جنيه، وذلك لكل من:
-
قام بغش سلعة معدة للبيع أو الشروع في ذلك.
-
عرض أو باع منتجًا مخالفًا للمواصفات المعتمدة.
-
-
تُضاعف العقوبة في حال تكرار المخالفة.
2 قانون التموين رقم 95 لسنة 1945
-
يعاقب القانون كل من تعمد خلط سلعة بمواد أخرى بهدف تغيير طبيعتها أو مواصفاتها.
-
تتراوح العقوبة بين الحبس لمدة سنة وحتى خمس سنوات، مع غرامة قد تصل إلى مليون جنيه.
3 قانون حماية المستهلك رقم 181 لسنة 2018
-
يلزم القانون الموردين بتقديم سلع آمنة ومطابقة للمواصفات القياسية المعتمدة.
-
يفرض القانون عقوبات على المخالفين تشمل الحبس والغرامة، بالإضافة إلى التعويض المادي للمتضررين.
4 المسؤولية المدنية والجنائية للمورد ومحطة الوقود
-
لا تقتصر المسؤولية على المورد فقط، بل تشمل أيضًا مدير المحطة والعاملين فيها، في حال ثبوت علمهم بالمخالفة أو إهمالهم في أداء واجباتهم.
ثالثًا: دور الدولة والمواطن
تعد هذه الجريمة تهديدًا للأمن الاقتصادي والصناعي، وتعرض حياة المواطنين وممتلكاتهم للخطر، لذا، يجب على الدولة، ممثلة في جهاز حماية المستهلك والنيابة العامة ومباحث التموين، إجراء تحقيق فوري، والتحفظ على خزانات الوقود، وتحليل عينات البنزين، ومحاسبة جميع المتورطين، فالتهاون في مثل هذه القضايا قد يؤدي إلى تفاقم المشكلة وزيادة الأضرار.
بالمقابل، يحق للمواطن الإبلاغ عن أي مخالفات وطلب التعويض المدني عن الأضرار التي لحقت بسيارته أو ممتلكاته، فالمشاركة الفعالة من قبل المواطنين تساهم في الكشف عن المخالفات وضمان تطبيق القانون.
في سياق متصل، صرح المتحدث الرسمي باسم وزارة البترول والثروة المعدنية بأن حملات التفتيش التي أجريت على محطات الوقود لم تسجل حتى الآن أي مشكلات تتعلق بجودة البنزين، وأشار إلى أن معظم الشكاوى وردت من منطقة جغرافية محددة، وهو ما اعتبره “مؤشرًا هامًا” يستدعي المزيد من التحقيق والتدقيق.
وأضاف المتحدث أن الوزارة تواصلت مع المواطنين الذين تقدموا بالشكاوى، وقامت بسحب عينات من الوقود المستخدم لتحليلها وفحصها، مؤكدًا أن نتائج التحاليل لا تزال قيد الدراسة، وأن الجهات المعنية تولي هذا الموضوع اهتمامًا بالغًا وتتابعه عن كثب، لضمان سلامة المنتجات البترولية وحماية حقوق المستهلكين.
وختامًا نؤكد أن المساس بجودة المنتجات البترولية ليس مجرد مخالفة إدارية، بل جريمة متكاملة الأركان تستوجب عقوبات رادعة، وتعويض المتضررين ماديًا ومعنويًا، لضمان عدم تكرار هذه الممارسات والحفاظ على حقوق المستهلكين.
تعليقات