أكد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء أن الممارسات الاستهلاكية والإنتاجية غير الرشيدة تتسبب في تفاقم أزمات بيئية جمة، إذ تنتج الأسر والمنشآت التجارية ومؤسسات الخدمات العامة ما يقارب 2,1 إلى 2,3 مليار طن من المخلفات الصلبة سنويًا، تشمل مواد التعبئة والتغليف، المنسوجات، الأجهزة الإلكترونية، البلاستيك، والمواد الغذائية، وإن لم نتدارك الأمر، فمن المتوقع أن تتصاعد هذه الكمية لتصل إلى 3,8 مليار طن بحلول عام 2050
وقد ورد ذلك في تحليل حديث صادر عن المركز، يوضح أن البنية التحتية العالمية لإدارة النفايات غير مهيأة لمواجهة هذا التحدي، حيث يفتقر حوالي 2,7 مليار شخص لخدمات جمع النفايات الصلبة، وتتم معالجة ما يقارب 61% إلى 62% فقط من هذه النفايات في مرافق تخضع للرقابة، استنادًا لتقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة
وفي سياق متصل، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 14 ديسمبر 2022، تخصيص يوم 30 مارس من كل عام كيوم عالمي للتوعية بمخاطر الهدر، يحتفل به العالم سنويًا، وأشار المركز إلى أن تفعيل مبادرات الحد من الهدر في هذا اليوم سيساعد في تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، خاصة الهدفين الحادي عشر والثاني عشر، اللذين يشملان كافة أشكال الهدر، بما في ذلك الفقد والفاقد من الغذاء، استنزاف الموارد الطبيعية، والنفايات الإلكترونية
كما أظهر التحليل أن اليوم العالمي للحد من الهدر لعام 2025 يشدد على ضرورة اتخاذ إجراءات فعالة لتقليل النفايات في قطاعي الملابس والمنسوجات، وتبني حلول دائرية، تحت شعار “نحو قطاع ملابس ومنسوجات خالٍ من النفايات”، ومن بين العقبات الكبرى التي تعرقل هذا القطاع، عدم التوازن بين النمو المتسارع في إنتاج واستهلاك المنسوجات، وبين جهود الاستدامة المبذولة، ما يتسبب في تبعات بيئية، اقتصادية، واجتماعية وخيمة، خاصة في دول الجنوب، بالإضافة لذلك، ينتج العالم سنويًا ما يقارب 92 مليون طن من نفايات المنسوجات، وهو ما يعادل شاحنة نفايات محملة بالملابس تحرق أو تدفن كل ثانية، كذلك يساهم قطاع الملابس والمنسوجات بنسبة 11% من إجمالي النفايات البلاستيكية، ليصبح ثالث أكبر مصدر لهذه النفايات بعد قطاعي التعبئة والتغليف (40%)، والمنتجات الاستهلاكية (12%)، وفي عام 2023، لم تتعد نسبة الألياف المعاد تدويرها المستخدمة في صناعة المنسوجات 8%، أي أقل من 1% من حجم سوق الألياف العالمي، وينتج عن ضعف عمليات إعادة تدوير الألياف خسائر سنوية تتجاوز قيمتها 100 مليار دولار
كما لفت التحليل إلى أن قطاع المنسوجات ما زال بعيدًا عن تحقيق أهداف الاستدامة المنشودة، في ظل الأزمة الكوكبية الثلاثية المتمثلة في تغير المناخ، فقدان الأراضي والتنوع البيولوجي، والتلوث والنفايات، ويتضح ذلك في النقاط التالية:
- أزمة تغير المناخ: من المتوقع أن يتأخر قطاع المنسوجات عن تحقيق أهداف خفض الانبعاثات لعام 2030، المحددة في اتفاقية باريس، بنسبة 50%، حيث يساهم القطاع سنويًا بنسبة تتراوح بين 2% و8% من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة عالميًا، كما يستهلك القطاع ما يقارب 215 تريليون لتر من المياه، تعادل محتوى 86 مليون حوض سباحة أولمبي، بالإضافة إلى ذلك، يساهم القطاع بنسبة 9% من تلوث المحيطات بالجسيمات البلاستيكية الدقيقة
- أزمة فقدان الأراضي والتنوع البيولوجي: تساهم صناعة الملابس بشكل ملحوظ في فقدان التنوع البيولوجي، من خلال الضغط على النظم البيئية الحساسة، وبحلول عام 2030، من المتوقع أن تتسع مساحة الأراضي الزراعية المخصصة لإنتاج الألياف بنسبة 35%، أي ما يعادل 115 مليون هكتار، وتستهلك زراعة القطن 3% من الأراضي الزراعية على مستوى العالم، كما يمكن استخدام أكثر من 15000 مادة كيميائية في تصنيع المنسوجات، بما في ذلك المنظفات، مثبطات اللهب، المواد المقاومة للبقع، المنعمات، والمواد الحاملة، وتتميز بعض هذه المواد بخصائص تجعلها تبقى في البيئة لفترات طويلة، مما يؤدي لتراكمها لعقود وتسبب آثارًا بيئية وصحية خطيرة على الإنسان والحيوان، حتى في المناطق النائية والبعيدة عن مواقع إنتاجها أو استخدامها
- أزمة التلوث والنفايات: تؤثر جميع أنواع الألياف، سواء كانت طبيعية أو صناعية، على البيئة طوال دورة حياتها، حيث تواجه جميع المنسوجات مشكلة تفكك الألياف، مما يؤدي لانطلاق جزيئات دقيقة في البيئة أثناء الإنتاج، الغسيل، الاستخدام، وإعادة التدوير، وبعد انتهاء عمرها الافتراضي، إضافة لمساهمة المواد الاصطناعية المصنوعة من الوقود الأحفوري، كالنفط الخام والغاز الطبيعي، بشكل مباشر في الأزمة الكوكبية الثلاثية، حيث تهيمن الألياف الصناعية، بما في ذلك البوليستر، النايلون، والإيلاستين، على السوق، وشكلت ما يقارب 67% من إجمالي حجم الإنتاج في عام 2023، كما يُنظر إلى الألياف الصناعية، خاصة البوليستر، على أنها الدافع الرئيسي لانتشار ثقافة الملابس الرخيصة التي يتم التخلص منها بسرعة، ونماذج الأعمال المعتمدة على الموضة السريعة، ما يزيد من حدة المشكلة البيئية
كما استعرض المركز في تحليله الفوائد الاقتصادية المتوقعة في حال تم القضاء على الهدر في قطاعي الملابس والمنسوجات، ومنها:
- تحسين إدارة النفايات عالميًا، واعتماد نهج دورة حياة المنتج، يمكن أن يحقق مكاسب سنوية تقدر بـ 108,5 مليار دولار بحلول عام 2050
- تبني نماذج أعمال دائرية جديدة في قطاع المنسوجات، يمكن أن يخلق قيمة اقتصادية تقدر بنحو 700 مليار دولار بحلول عام 2030
- تصميم المنتجات لتكون قابلة لإعادة الاستخدام، ومتينة، لا يقلل فقط من كثافة الإنتاج، بل يشجع المستهلكين أيضًا على تغيير أنماط الاستهلاك، ومراعاة مفهوم الدائرية في مرحلة التصميم يساهم في تقليل استهلاك الموارد وتوليد النفايات
- مضاعفة عدد مرات ارتداء الملابس يمكن أن يقلل من انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 44%
- تبني سياسات وتشريعات فعالة، مثل تلك التي تعزز مسؤولية المنتج الممتدة (EPR)، يمكن أن يساهم في تقليل الآثار البيئية السلبية، وتعتبر مسؤولية المنتج الممتدة أداة تستخدم لتحسين الأداء البيئي طوال دورة حياة المنتج، بما في ذلك مرحلة ما بعد الاستهلاك، كما يمكن لمخططات مسؤولية المنتج الممتدة، إذا صممت بشكل صحيح، أن تشجع على التصميم البيئي من خلال تخفيض الرسوم الجمركية المفروضة على المنتجات الأكثر استدامة من الناحية البيئية، وقد تبنت كل من فرنسا، المجر، لاتفيا، وهولندا بالفعل سياسة مسؤولية المنتج الممتدة في قطاع المنسوجات
وأشار التحليل إلى أن الحكومات، المدن، القطاع الصناعي، والمستهلكين يلعبون دورًا حيويًا في تحقيق هدف الوصول إلى صفر نفايات في قطاعي الملابس والمنسوجات، ويتحقق ذلك من خلال قيام الحكومات بعدة إجراءات منها:
- تحفيز القطاع الصناعي والمواطنين على التحول نحو نماذج الأعمال الدائرية، من خلال إعطاء الأولوية لإعادة الاستخدام، وتقليل حجم إنتاج المنسوجات الجديدة
- تنظيم استخدام المواد الكيميائية والمواد الضارة في قطاع المنسوجات، وتعزيز الممارسات الجيدة التي تساهم في تحقيق مفهوم الدائرية، والكيمياء الخضراء والمستدامة
- دعم البحث والتطوير، وتحسين أنظمة إدارة نفايات المنسوجات، لضمان وجود بنية تحتية كافية لمعالجة هذه النفايات
- تسهيل الوصول إلى المعلومات، لإلهام المستهلكين ومساعدتهم في اتخاذ قرارات واعية
- الانضمام إلى الحوار العالمي حول السياسات المتعلقة بالمنسوجات، الذي ييسره برنامج الأمم المتحدة للبيئة، والذي دعت إليه الحكومات خلال الدورة السادسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة
وتابع التحليل موضحًا أن المدن يمكن أن تتخذ عدة إجراءات هامة، تتضمن:
- تعزيز الاقتصاد الدائري، وتبني نهج دورة حياة المنتج، من خلال تشجيع الابتكار في قطاع المنسوجات، ودمج حلول مبتكرة كبنوك الملابس، لتحفيز إعادة الاستخدام، وضمان التخلص الآمن من النفايات
- حماية الفئات المهمشة من التعرض للتلوث، من خلال تطبيق معايير بيئية حضرية صارمة، وتحسين البنية التحتية لإدارة النفايات، مع إدماج ودعم العاملين في قطاع النفايات غير الرسمي، ضمن سياسات شاملة وحلول مبتكرة تقودها المدن
- إطلاق مبادرات وحلول سياسات محلية تعزز أنماط الاستهلاك المستدامة، وتشجع المشاركة العامة، وتدعم خدمات الأعمال الدائرية، مثل الإصلاح والتأجير
- الانضمام إلى برنامجي “مدن واعية في إدارة النفايات” و “المدن النظيفة الأفريقية”، التابعين لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، واللذين يساعدان المدن على التحول نحو الاقتصاد الدائري
أما على مستوى القطاع الصناعي، فيمكن اتخاذ خطوات عديدة تشمل:
- السعي لجعل القطاع الصناعي أكثر استدامة واعتمادًا على الدائرية، مع زيادة الإيرادات المتأتية من نماذج الأعمال الدائرية، وتقليل حجم الإنتاج في الأسواق الرئيسية، لتجنب الاستهلاك المفرط
- تصميم منتجات تضمن المتانة، طول العمر، وقابلية إعادة التدوير، مع معالجة مشكلة تحلل الألياف طوال دورة حياة المنتج
- الانضمام إلى مبادرات مسؤولية المنتج الممتدة، لضمان متانة الملابس، قابليتها لإعادة الاستخدام، وتعزيز استعادة المواد، ومعالجة الأثر البيئي للمنتجات
- إعادة تصميم منتجات وأنظمة المنسوجات للتخلص من المواد الكيميائية الخطرة، تقليل التلوث، وإعطاء الأولوية للمواد المستدامة، القابلة لإعادة التدوير، والمتجددة
وبالنسبة للمستهلكين، فبإمكانهم القيام بالعديد من الإجراءات، ومنها:
- الحد من الاستهلاك المفرط، عن طريق شراء المنتجات التي يحتاجونها فقط، وإعطاء الأولوية للملابس عالية الجودة التي تدوم طويلًا
- تجنب الموضة السريعة التي تنتج بكميات كبيرة على حساب البيئة
- تبني عادات استهلاكية واعية، مثل إنشاء خزانة ملابس أساسية، وإعادة تصميم الملابس القديمة، مما يساهم في التحول نحو قطاع ملابس ومنسوجات دائري
وختم التحليل بالتأكيد على أن التحول نحو قطاع ملابس ومنسوجات بصفر نفايات، بات ضرورة ملحة لمواجهة التحديات البيئية المتزايدة، فمع استمرار أنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدامة، تتصاعد كميات الهدر وتتفاقم آثارها على المناخ، الموارد الطبيعية، والتنوع البيولوجي، لذا، يتطلب تحقيق الاستدامة في هذا القطاع توحيد جهود الحكومات، القطاع الصناعي، والمستهلكين، من خلال تشجيع إعادة التدوير، إطالة عمر المنتجات، والحد من الإنتاج والاستهلاك المفرطين، فالالتزام بهذه الممارسات لا يساهم فقط في تقليل الهدر، بل يدعم أيضًا اقتصادًا أكثر استدامة وعدالة للأجيال القادمة