
يترقب المصريون موعد العودة إلى التوقيت الشتوي، والمقرر له يوم الأحد 21 سبتمبر القادم، وفقًا لما أعلنه المعهد القومي للبحوث الفلكية، هيا بنا نستعد لتغيير الساعة والاستفادة من ساعات نوم أطول، بالإضافة إلى الاستمتاع بنشاط صباحي وافر،
يجدر بالذكر أن العمل بالتوقيت الصيفي قد بدأ يوم الجمعة الموافق 26 أبريل الماضي، حيث تم تقديم الساعة بمقدار 60 دقيقة، وذلك بناءً على قرار صادر من مجلس الوزراء المصري برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، والذي وافق على تفعيل التوقيت الصيفي في مصر بدءًا من الجمعة الأخيرة من شهر أبريل، وحتى نهاية يوم الخميس الأخير من شهر أكتوبر، وكان الهدف من ذلك هو ترشيد استهلاك الطاقة وتحقيق أقصى استفادة ممكنة من ساعات النهار،
ومن المتوقع أن يتم تطبيق التوقيت الشتوي في آخر خميس من شهر أكتوبر القادم، أي بعد بداية العام الدراسي الجديد الذي يوافق 21 سبتمبر الجاري،
ولكن، هل يعد التوقيت الشتوي والصيفي تدخلًا وتغييرًا وتبديلًا لخلق الله؟
أجابت دار الإفتاء على هذا السؤال موضحة أن الليل والنهار هما آيتان من آيات الله سبحانه وتعالى، وقد خلقهما الله لإيجاد توازن كوني ينسجم مع طبيعة المخلوقات في حركتها وسكونها،
قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ [الإسراء: 12]، وقال عز وجل: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا﴾ [النبأ: 10- 11]، وهذا الخلق الرباني المحكم لا يستطيع أحد تغييره، ولا يمكن لأي مخلوق أن يعبث بنظامه، فهو آية من الآيات التي استقلت بإيجادها يد القدرة الإلهية،
تحديد الوقت وبيان مقداره من فعل البشر
أما التوقيت فهو عبارة عن تحديد للوقت وبيان لمقداره، وهذا الأمر مرتبط بفعل البشر، ولهذا السبب نرى اختلافه وتنوعه من حضارة إلى أخرى، ففي الحضارتين الإسلامية واليهودية كان التوقيت يعتمد على غروب الشمس، حيث يبدأ عد ساعات اليوم من الغروب، وكان الليل يسبق النهار، بينما كان شروق الشمس يمثل بداية اليوم عند البابليين القدماء،
أما التوقيت الزوالي، الذي يبدأ فيه اليوم عند منتصف الليل، فهو مأخوذ عن المصريين القدماء والرومان، وهو النظام الذي يسير عليه العالم اليوم، وهذا التوقيت، الذي هو من صنع البشر، يتضمن مساحة قطعية اتفق عليها البشر وقام عليها نظام حياتهم وتعاملاتهم، مثل أيام الأسبوع، فلا يجوز لأحد تغييرها أو تبديلها،
وهناك مساحة أخرى اتفق عليها المسلمون وتعلقت بها عباداتهم ومعاملاتهم، مما جعل محاولة تغييرها أمرًا ممنوعًا يخل بالنظام العام لديهم، وذلك مثل مسألة النسيء التي قام بها المشركون، حيث غيروا مكان الأشهر الحرم، وهو الأمر الذي أنكره الله تعالى عليهم في سورة التوبة، حيث قال: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [التوبة: 37]،
النظر وتحديد التوقيت ليس تغييرا لخلق الله تعالى
توجد مساحة في التوقيت يمكن النظر فيها، وهناك متسع للرأي فيها، طالما أنها لا تسبب خللًا في عبادة أو اضطرابًا في نظام، مثل تحديد بداية اليوم ونهايته، ولهذا السبب اتبع المسلمون التوقيت الزوالي تبعًا لأهله الذين يسيرون عليه، ولم يكن في ذلك خروج عن الدين الإسلامي أو تغيير لخلق الله تعالى، على الرغم من أن التوقيت الغروبي كان الأنسب لعباداتهم وتعاملاتهم في فترة من الفترات،
ولما كان كل من الليل والنهار يتكون في الأصل من اثنتي عشرة ساعة، ولكنهما يزيدان وينقصان تبعًا لتغير فصول السنة، فقد أطلق علماء الفلك والميقات المسلمون على هذه الحالة القياسية اسم الساعات الآفاقية، وعليها حملوا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة» رواه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وأطلقوا على ساعات الليل والنهار التي زادت عن ذلك أو نقصت اسم الساعات التعديلية، واختلفوا كذلك في المراد من ساعات التبكير يوم الجمعة، وإن كان الحديث السابق يرجح المقصود، ولم يكن هذا الاختلاف بينهم سببًا في أي حرج أو إثم،
العمل بالتوقيت الصيفي
أما مسألة التوقيت الصيفي، التي تتضمن تقديم الوقت القياسي بمقدار ساعة واحدة لفترة معينة، فهي من الأمور الاجتهادية التي يعتمد اتخاذ القرار فيها على المصلحة التي يراها أولو الأمر وأهل الحل والعقد في الأمة، وحتى لو كان الإنجليز هم أول من بدأ العمل بها، فإن ذلك وحده لا يجعله أمرًا خاطئًا أو حرامًا، إلا إذا ثبت أنه يفوت مصلحة معتبرة على الأمة، فإذا لم يثبت ذلك، فولي الأمر الحق في الإلزام به، ولا يعتبر فعله هذا تغييرًا لخلق الله أو تعديًا لحدوده، والله سبحانه وتعالى أعلم،