«خطوة جريئة نحو المستقبل» مصر تتبنى مسارًا استباقيًا لتعزيز إدارة الديون المستدامة

«خطوة جريئة نحو المستقبل» مصر تتبنى مسارًا استباقيًا لتعزيز إدارة الديون المستدامة

شاركت الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي في جلسة نقاشية بعنوان “حلول الديون من أجل الصمود والإصلاح: تمويل أجندة 2030 في أفريقيا وخارجها” والتي نظمتها وزارة المالية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بمشاركة الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء وأحمد كجوك وزير المالية، وذلك على هامش فعاليات المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية في إسبانيا، حيث تم التركيز خلال الجلسة على أهمية إيجاد حلول شاملة لمعالجة أزمة الديون التي تواجه العديد من الدول النامية، فقد وصل حجم الديون الخارجية للدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط إلى مستوى قياسي بلغ 8,8 تريليون دولار أمريكي في عام 2023 مع ملاحظة أن الديون قصيرة الأجل تنمو بوتيرة أسرع مقارنة بالالتزامات طويلة الأجل،

### تفاقم أعباء الديون على الدول النامية

وأوضحت الدكتورة رانيا المشاط في كلمتها أن الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط قد أنفقت نحو 1,4 تريليون دولار على خدمة ديونها خلال عام 2023، وإذا استثنينا الصين فإن هذا العبء يصل إلى ما يقرب من تريليون دولار أمريكي وهو ضعف ما كان عليه الوضع قبل عشر سنوات، كما أشارت إلى أن تكلفة الاقتراض قد ازدادت بشكل ملحوظ وخاصة في عام 2023 حيث واجهت الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط أسعار فائدة مرتفعة تعتبر الأعلى منذ الأزمة المالية العالمية، بالإضافة إلى ذلك فإن أكثر من 60% من الدول منخفضة الدخل تعاني حاليًا من أزمة ديون أو أنها معرضة لخطر كبير، وإذا لم يتم التدخل فمن المتوقع أن يتجاوز الدين العام العالمي نسبة 100% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2030،

### استراتيجية مصر في التعامل مع الديون

وتطرقت المشاط إلى الاستجابات الوطنية مشيرة إلى أن مصر قد تبنت نهجًا استباقيًا لتعزيز إدارة الديون المستدامة وإصلاحها من خلال الاستفادة من الأدوات المبتكرة والشراكات الاستراتيجية، ومن بين هذه الجهود تنفيذ برنامجي مبادلة الديون مع كل من ألمانيا وإيطاليا بقيمة تجاوزت 900 مليون دولار بالإضافة إلى توقيع اتفاق يعتبر الأول من نوعه مع الصين، وقد ساهمت هذه البرامج في إعادة توجيه الالتزامات الخاصة بالسداد نحو القطاعات ذات الأولوية مثل الصحة والتعليم والعمل المناخي مما أدى إلى تحقيق المواءمة بين التمويل الخارجي وأهداف التنمية الوطنية،

وذكرت أنه في إطار استكمال هذه الجهود تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية المتكاملة للتمويل (E-INFS) والتي تمثل نموذجًا لتعبئة التمويل المستدام بهدف سد الفجوات التنموية وتقليل المخاطر المالية والديون المستقبلية،

كما أشارت إلى الجهود التي بذلتها الدولة في مجال مبادلة الديون بالاستثمارات من خلال الاتفاق التاريخي مع دولة الإمارات العربية المتحدة مما يحفز جهود جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة ويساهم في الوقت نفسه في خفض الأعباء التمويلية، وبالتوازي مع ذلك عززت مصر ريادتها في مجال التمويل الأخضر من خلال إصدار السندات الخضراء كما أنها تعمل على استكشاف المزيد من أدوات التمويل المرتبطة بالاستدامة والتمويل الأزرق بهدف تنويع مصادر تمويلها ودمج الاستدامة البيئية والاجتماعية بشكل أفضل في محفظة ديونها،

### الحاجة إلى نظام مالي عالمي مرن

وأكدت المشاط على ضرورة وجود نظام مالي عالمي يتسم بقدر أكبر من المرونة والتركيز على التنمية مع إعطاء الأولوية في أجندة الإصلاح الشاملة لتبني نهج مبتكرة وشفافة وعادلة لإدارة الديون السيادية، بالإضافة إلى أهمية تعزيز آليات شاملة وجامعة لتسوية الديون السيادية باعتبارها محركًا رئيسيًا لتحقيق التنمية المستدامة وإرساء عمليات عادلة ترتكز على أطر متعددة الأطراف وتعمل على معالجة القيود التي تعيق النهج المجزأ الحالي لتسويات الديون،

كما أكدت على أهمية اعتماد مبادئ معتمدة عالميًا للإقراض والاقتراض المسؤول بما في ذلك تجميد السداد التلقائي في أوقات الأزمات مع التركيز على خفض تكلفة ومخاطر الاقتراض بالنسبة للدول النامية من خلال توسيع نطاق استخدام الأدوات المبتكرة مثل السندات المرتبطة بأهداف التنمية المستدامة، كما ينبغي تشجيع الدول على استخدام مبادلة الدين بالمناخ والديون بالتنمية شريطة أن يتم تصميمها بشكل منصف وبما يتوافق مع أولويات التنمية الوطنية،

وتماشيًا مع التوصيات الصادرة عن مجموعة خبراء الأمين العام للأمم المتحدة والتي أشارت إلى أهمية إنشاء منصة لتبادل الخبرات والدعم الفني للاستفادة من آليات التمويل المبتكر وبرامج مبادلة الديون من أجل التنمية، سلطت الدكتورة رانيا المشاط الضوء على تجربة مصر التي تمكنت من تحقيق التوازن بين أولوياتها الوطنية والاستفادة من الأدوات المالية المتاحة لدى مؤسسات التمويل الدولية،

ففي عام 2022 أطلقت مصر المنصة الوطنية لبرنامج “نـُوفّي” التي تهدف إلى حشد التمويلات التنموية لتمكين مشاركة القطاع الخاص في المشروعات التنموية وخاصة مشروعات التكيف والتخفيف من خلال آليات التمويل المبتكر وكذلك أدوات ضمانات الاستثمار، بالإضافة إلى نجاح مصر في الفترة ما بين عامي 2020 ومايو 2025 في حشد ما يقرب من 15,6 مليار دولار أمريكي لصالح تمويل القطاع الخاص منها 4 مليار دولار موجهة للمشاركين في مشروعات المنصة الوطنية لبرنامج “نـُوفّي”،

وأكدت أن تحديث تحليل استدامة الدين Debt Sustainability Analysis يعتبر عملية حاسمة لتقييم أكثر إنصافًا لقدرات الدول النامية على الوفاء بالتزاماتها المالية الحالية والمستقبلية دون التعرض لأزمة ديون لما يعكسه من تقييم للوضع الاقتصادي الكلي والوضع المالي للدول وكفاءة إدارتها للديون،

وأضافت أن بنوك التنمية متعددة الأطراف يمكنها تعزيز سيولتها وقدرتها على التمويل من خلال زيادة استخدام حقوق السحب الخاصة من الدول الأعضاء من خلال آليات مثل أدوات رأس المال المختلط ووسائل دعم السيولة وغيرها من الحلول المتكاملة والمبتكرة التي يمكن أن تعزز قدرة تلك المؤسسات على مواجهة التحديات العالمية مثل تغير المناخ،

وفي ختام كلمتها أكدت أن المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية يمثل فرصة محورية لتحفيز إصلاحات هيكل الدين العالمي والدفع نحو حلول عادلة تواءم إدارة الديون السيادية مع أهداف التنمية المستدامة،

### مشاركة المشاط في منتدى الأونكتاد

من جانب آخر شاركت الدكتورة رانيا المشاط في المنتدى الذي نظمه مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) لمناقشة وضع الديون العالمية،

وخلال كلمتها أشادت الدكتورة رانيا المشاط بتقرير الأونكتاد موضحة أنه لا يقتصر على مجرد تسليط الضوء على أزمة الديون بل يقدم خطة تنفيذية واقعية وعملية للتعامل مع الأزمة مما يمثل تطورًا كبيرًا في طبيعة النقاش حول الدين العام،

وأكدت المشاط أهمية أن تشارك الدول التي خاضت تجارب ناجحة في مجال إعادة هيكلة الديون أو اتفاقيات مبادلة الدين تجاربها مع المجتمع الدولي ليس فقط من حيث النتائج ولكن من حيث الحوكمة الداخلية التي ساعدت على نجاح التجارب، حيث أن إدارة ملف الدين العام لا تقتصر على وزارة أو جهة واحدة بل تتطلب تنسيقًا بين أطراف كثيرة داخل الدولة مما يجعل من الحوكمة عنصرًا حاسمًا في تلك التجارب،

كما شددت على ضرورة الإقرار بأن الجهات الدائنة تختلف في طبيعتها وكذلك تختلف الآليات التي يتم من خلالها التوصل إلى الاتفاقات مما يتطلب من الدول المدينة أن تمتلك قدرات فنية ومؤسسية قوية حتى تتمكن من التفاوض بشكل فعّال ليس فقط على صفقة واحدة بل لبناء سلسلة من الصفقات المرتبطة بمسارات تنموية طويلة الأجل،

وأشارت إلى أهمية الدعم الفني ليس فقط بوصفه تدريبًا أو مشورة بل كقيمة مالية ملموسة حيث أن تنفيذ تلك المبادرات يتطلب موارد حقيقية، موضحة أن هناك بالفعل أدوات وآليات قائمة داخل مؤسسات وهيئات متعددة تُعنى بذلك النوع من القضايا، مضيفة أن جمع تلك الجهود ضمن منصة مشتركة تحدث تكاملًا مع ما هو قائم بالفعل مما يشكل قيمة مضافة حقيقية لجميع الأطراف سواء الدول المدينة أو الجهات الدائنة،