تظل السمنة تحديًا صحيًا عالميًا يزداد تفاقمًا عامًا تلو الآخر، حيث تزيد من احتمالات الإصابة بالسكري، وأمراض القلب، وتزيد من أعباء الرعاية الصحية، وبالرغم من أهمية تغيير نمط الحياة وتبني عادات غذائية صحية للسيطرة على الوزن، إلا أن هذه الإجراءات قد لا تكون كافية في حالات السمنة المفرطة.
في الوقت الذي أظهرت فيه بعض الأدوية فعاليتها، يواصل العلماء جهودهم لاكتشاف بدائل أكثر أمانًا واقتصادية، ويبدو أن بصيص أمل جديد قد لاح مع مركب يُعرف بـ SANA، وهو مشتق من مادة الساليسيلات المعروفة، والتي تمثل الأصل الكيميائي للأسبرين.
من علاج للالتهاب إلى مكافح للسمنة
بحسب تقرير نشره موقع “The Brighter Side”، فإن مركب SANA قد طُور في الأساس لعلاج الالتهابات، إلا أن النتائج التي ظهرت في التجارب على الفئران أدهشت الباحثين، فعلى الرغم من تغذية الفئران بنظام غذائي غني بالدهون، لم تكتسب أي وزن بعد إعطائها مركب SANA، بينما شهدت الفئران التي كانت تعاني بالفعل من السمنة انخفاضًا ملحوظًا في وزنها، بالإضافة إلى تراجع دهون الكبد وتحسن استجابتها للأنسولين.
إمكانات واعدة تلوح في الأفق، حيث يسلط هذا الاكتشاف الضوء على إمكانية وجود استراتيجية علاجية جديدة للسمنة، وهي مشكلة صحية عالمية متنامية، وإن فهم الآليات الكامنة وراء تأثير SANA يمكن أن يمهد الطريق لتطوير علاجات أكثر فعالية وأمانًا، مما يوفر أملاً جديدًا للأفراد الذين يعانون من السمنة وزيادة الوزن.
آلية مبتكرة لحرق السعرات
ما يميز مركب SANA عن غيره من أدوية التنحيف هو آلية عمله المتميزة، فبينما تعتمد أغلب الأدوية على بروتين معين يُدعى UCP1 لتحفيز عملية “توليد الحرارة” (وهي العملية التي يحرق فيها الجسم السعرات الحرارية من خلال إنتاج الحرارة)، يحفز SANA هذه العملية دون الحاجة إلى UCP1، معتمدًا على جزيء الكرياتين الذي يستهلك الطاقة ويولد الحرارة داخل الخلايا.
ويؤكد البروفيسور ويليام فيستوشيا من جامعة ساو باولو: “حتى في الفئران التي تفتقر إلى بروتين UCP1، وجد أن SANA ينشط عملية توليد الحرارة، دون أن يتسبب في ارتفاع درجة حرارة الجسم أو إجهاد القلب”.
نتائج سريرية أولية واعدة
خضع المركب لتجربة في دراسة سريرية أولية شملت متطوعين أصحاء ومن يعانون من السمنة أو زيادة الوزن، وذلك لتقييم سلامته وفاعليته، وتلقى المشاركون جرعات متفاوتة تتراوح بين 200 و800 ملغ، واستمرت الدراسة لمدة 15 يومًا.
النتائج كانت مبشرة، حيث لم يتم تسجيل أي آثار جانبية خطيرة، في حين أظهرت الجرعات الأعلى تحسنًا في مقاومة الأنسولين وفقدانًا ملحوظًا للوزن خلال أسبوعين فقط.
وأشار الدكتور كارلوس إسكاندي من معهد باستور في أوروغواي إلى أن “النتائج الأولية تظهر استجابة واعدة، ولكنها لا تزال أولية نظرًا لصغر حجم العينة”.
توازن مثالي: يحرق الدهون ويحافظ على العضلات
من أبرز مزايا SANA أنه يستهدف الدهون دون التأثير على الكتلة العضلية، وهذا على عكس بعض أدوية السمنة المتوفرة حاليًا مثل GLP-1، والتي قد تتسبب في فقدان العضلات، وهو ما يشكل خطرًا بشكل خاص على كبار السن.
ويعلق الدكتور مارسيلو موري من جامعة كامبيناس البرازيلية: “هذا الدواء لا يقتصر على تقليل الشهية، بل يعزز أيضًا استهلاك الطاقة، لذا، فإن دمجه مع مثبطات الشهية قد يحول دون التباطؤ الأيضي الذي يصاحب الأنظمة الغذائية عادة”.
تتصل فاعلية SANA بمجموعة كيميائية تسمى النيتروألكين، والتي تم دمجها مع الساليسيلات، وقد حفز هذا الدمج خلايا الجسم، وخاصة في الأنسجة الدهنية، على حرق السعرات الحرارية بكفاءة أعلى، عن طريق زيادة تنفس الميتوكوندريا وتنشيط دورة الكرياتين.
وعندما جرى اختبار المركب على فئران تفتقر إلى إنزيم أساسي في هذه الدورة، لم يحقق النتائج المرجوة، مما يؤكد الدور المحوري لهذه الآلية في فاعلية الدواء.
إلى أين يتجه البحث
تتمثل المرحلة التالية في إجراء المرحلة الثانية من التجارب السريرية، على عدد أكبر من المتطوعين، وذلك لتقييم فاعلية الدواء على نطاق أوسع، وإذا ما أثبت نجاحه، فمن المحتمل أن يصبح SANA أول دواء من نوعه يعتمد على هذه الآلية المبتكرة في مكافحة السمنة دون التسبب في آثار جانبية مقلقة.
ويحدو الباحثون الأمل في أن يحدث هذا المركب نقلة نوعية في مجال علاجات السمنة، وأن يمنح الملايين حول العالم فرصة جديدة لتحسين صحتهم بأمان وفاعلية.