يعتبر الصباح وقتًا صعبًا بالنسبة للكثيرين، لكنه يصبح أكثر تعقيدًا لمن يعانون من الاكتئاب، حيث تشكل الدقائق الأولى من اليوم اختبارًا لقدرتهم على النهوض ومواجهة العالم، ومع ذلك، تظهر الأبحاث الحديثة أن تنظيم بداية اليوم يمكن أن يحوّل هذه اللحظات الثقيلة إلى مساحة من السيطرة والأمل،
ووفقًا لتقرير نشره موقع Everyday Health، فإن إنشاء روتين صباحي ثابت قد يسهم في كسر دائرة الخمول الذهني والجسدي المرتبطة بالاكتئاب، حيث يوفر هيكلًا يوميًا يمنح الحياة إحساسًا بالثبات والهدف، ولا يتطلب الأمر الالتزام الصارم، بل يتعلق بخلق تسلسل بسيط من الأنشطة التي تمنح العقل والجسم بداية واضحة ليوم جديد،
قد تبدو الأمور بسيطة، كترتيب السرير أو تناول كوب من الشاي أو كتابة فكرة في دفتر صغير، لكنها في الواقع أفعال رمزية قوية — بمثابة إعلان هادئ بأن اليوم الجديد يستحق البدء، وأن النهوض بحد ذاته إنجاز يستحق التقدير،
لماذا تكون الصباحات الأصعب؟
يميل الاكتئاب إلى زيادة الشعور بالثقل الذهني عند الاستيقاظ، خصوصًا عندما يتداخل مع مشكلات النوم أو التوتر المستمر، ففي هذه الساعات الأولى، تنخفض الطاقة ويصبح اتخاذ أبسط القرارات مجهدًا، حيث يوضح الخبراء أن الدماغ في حالات الاكتئاب يحتاج لوقت أطول لتفعيل أنظمته العصبية المرتبطة بالتحفيز والانتباه، مما يجعل الصباح تحديًا متكررًا يوميًا، كما أن قلة النوم أو اضطراب الساعة البيولوجية، خاصة في فصل الشتاء، تزيد من صعوبة بدء اليوم بطاقة إيجابية،
كيف يساعد الروتين في تجاوز هذا الإرهاق؟
لا يعني الروتين الصباحي الالتزام بخطة صارمة، بل هو وسيلة لإزالة عبء القرارات العشوائية، فعندما يعرف الشخص مسبقًا ما سيفعله عند الاستيقاظ، يخفّ الضغط الذهني الناتج عن التفكير في كل خطوة، ويخلق هذا التنظيم البسيط نوعًا من “الأمان السلوكي”، مما يمنح الدماغ شعورًا بالاستقرار وبالتالي يعمل على استعادة نشاطه الكيميائي الطبيعي بشكل تدريجي،
تشير الدراسات إلى أن وجود تسلسل صباحي ثابت — مثل ترتيب السرير، أو إعداد مشروب دافئ، أو ممارسة تمارين تنفس عميق لبضع دقائق — يمكن أن يحسن المزاج ويزيد من التركيز على مدار اليوم، فتنفيذ هذه الطقوس الصغيرة يرسل إشارة نفسية بالإنجاز، وهو أمر بالغ الأهمية لأولئك الذين يشعرون بأن يومهم يبدأ من نقطة صفر،
خطوات بسيطة لتكوين بداية مختلفة
ابدأ من الليلة السابقة، أغلق الشاشات قبل النوم بساعة، وجهّز المستلزمات الأساسية لليوم التالي لتقليل القرارات الصباحية،
عندما تستيقظ، افتح النوافذ أو استخدم منبهًا ضوئيًا لمحاكاة ضوء الفجر، فالتعرض المبكر للضوء الطبيعي يساعد في إعادة ضبط ساعتك الداخلية،
قم بممارسة بعض تمارين التمدد أو تنفس عميق لتخفيف التوتر، ثم خزّن لحظة صغيرة من الشعور بالامتنان عبر كتابة ثلاثة أشياء تشعر بالامتنان لها،
ولا تنسَ تناول إفطار بسيط يمنحك طاقة خفيفة دون إثقال المعدة،
يمكن أيضًا استخدام العطور المنعشة أو الزيوت العطرية مثل النعناع أو إكليل الجبل لتحفيز الحواس وتعزيز الشعور باليقظة، فهذه التفاصيل الحسية الصغيرة تحدث فرقًا فعليًا في الحالة المزاجية، خاصةً عند من يعانون من انخفاض الطاقة،
الأثر الممتد لروتين منظم
عندما يتحول الروتين الصباحي إلى عادة، يمتد تأثيره إلى ما بعد الساعات الأولى ليؤثر بشكل إيجابي على بقية اليوم، إذ يمثل الشعور بالقدرة على البدء امتلاك زمام المبادرة — وهو ما يفقده معظم مرضى الاكتئاب، كما أن هذه الممارسات اليومية تهيئ الذهن لاستقبال العلاج النفسي أو الدوائي بفاعلية أكبر، لأنها تعزز مفهوم “الاستمرارية” في الحياة اليومية، وهو أحد مفاتيح التعافي على المدى الطويل،

تعليقات