
تحل اليوم الذكرى الـ988 لرحيل قامة من قامات الفكر الإنساني، إنه العالم والفيلسوف المسلم ابن سينا، الذي أضاء القرنين العاشر والحادي عشر بنور علمه، ولد في أوزباكستان الحالية، وتوفي في همدان بإيران، ويظل كتابه “القانون في الطب” علامة فارقة في مسيرة تطور الطب الحديث، حيث وضع أسسًا متينة لازالت تلهم الأجيال،
يحتفي العالم بذكرى ابن سينا، هذا العبقري الذي وصفته المكتبة الوطنية الأمريكية للطب بأنه عالم مسلم له مكانة مرموقة في تاريخ الطب بإيران والعالم، فالطب الحديث مدين بالكثير لإنجازاته العلمية، ولا سيما كتابه “القانون”، الذي أثرى الأدبيات الطبية والبرامج التعليمية في العالم الإسلامي وأوروبا، فخلال القرنين الحادي عشر والسابع عشر، كانت دراسة الطب تدور حول نظريات ابن سينا، أو تتأثر بها بشكل كبير،
أظهرت بعض الأبحاث أن رؤى ابن سينا في تشخيص وعلاج بعض الأمراض، كالربو، تتسم بدقة وفعالية تفوق نتائج الطب الحديث في بعض الأحيان، كما أن الأدوية التي وصفها لعلاج اليرقان، وانسداد القنوات الصفراوية، وعسر الهضم الكبدي، تتوافق مع نتائج الأبحاث المعاصرة، الأمر الذي جعل شهرته وتأثيره يتجاوز حدود إيران والعالم الإسلامي، ليصل إلى أصقاع المعمورة،
### كتاب القانون في الطب
يعتبر “القانون في الطب” أشهر مؤلفات ابن سينا على الإطلاق، وهو موسوعة طبية ضخمة تتألف من خمسة كتب، تغطي مجالات طبية متنوعة، وتشمل:
* مقالات تتناول المبادئ الطبية والفسيولوجية الأساسية، إضافة إلى علم التشريح، والنظام العلاجي، والإجراءات العلاجية العامة،
* قائمة شاملة للمواد الطبية مرتبة أبجديًا، مع تفصيل خصائصها العامة،
* تشخيص وعلاج الأمراض التي تصيب جزءًا محددًا من الجسم،
* تشخيص وعلاج الحالات المرضية التي تؤثر على أجزاء متعددة من الجسم أو الجسم بأكمله،
* صيغة العلاجات المركبة،
### مكانة طب ابن سينا في إيران والعالم الإسلامي
يتبوأ كتاب القانون مكانة رفيعة في العالم الإسلامي وأوروبا، حيث حظي بأكثر من 200 شرح وتعليق وملخص بلغات مختلفة، وهو رقم قياسي مقارنة بأعمال الأطباء المسلمين الآخرين،
إن كثرة الشروح والتعليقات والمختصرات والترجمات والمخطوطات لكتاب القانون، تدل على أنه كان يُستخدم كمرجع أساسي في التدريس، وأن معلمي وطلاب العلوم الطبية كانوا يجلّون مدرسة ابن سينا الطبية، ويذكر أن تدريس القانون يعود إلى عصر ابن سينا نفسه، حيث كان الكتاب المدرسي الأكثر شيوعًا في العالم الإسلامي،
يروي أبو عبيد الجوزجاني، تلميذ ابن سينا ورفيقه المقرب، أن الطلاب كانوا يجتمعون في منزل “الشيخ الرئيس”، وهو اللقب الذي أطلقه عليه تلاميذه، كل ليلة، لدراسة كتابيه “القانون” و”الشفاء” تحت إشرافه المباشر،
### مكانة طب ابن سينا في أوروبا والغرب
في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، تُرجم كتاب “القانون” لابن سينا إلى اللاتينية في طليطلة بإسبانيا، ومنذ ذلك الحين، بدأ طب ابن سينا يفرض هيمنته تدريجيًا على الأوساط الطبية الغربية، فترجمت معظم أعماله الطبية إلى لغات مختلفة، وأُلفت مئات الدراسات والأبحاث العلمية حول طبّه، حتى لُقب بـ “أمير الأطباء”، وأُطلق على كتابه “الكتاب المقدس للطب”،
ظل الإلمام بطب ابن سينا لقرون طويلة في الغرب معيارًا للكفاءة الطبية، وعلى الرغم من ظهور حركات مناهضة للعرب في بداية القرن السادس عشر في بعض الدول الأوروبية، إلا أن طب ابن سينا لم يتأثر بهذه الموجة، بل استمر تأثيره حتى النصف الأول من القرن الماضي في بعض الدول الغربية، مثل بلجيكا، ويُعتقد أن العلوم الطبية في الاتحاد السوفيتي، في مجالات مثل علم وظائف الأعضاء، وتشخيص الأمراض الباطنية، والرياضة، والصحة، وطب الأطفال، وعلم الأدوية، كانت تعتمد على تقاليد طب ابن سينا في النصف الأول من القرن العشرين،
تعد جامعة بولونيا الإيطالية، وهي من أقدم الجامعات الأوروبية، أول جامعة في أوروبا تعتمد كتاب القانون رسميًا كأساس لتعليمها الطبي في القرن الثالث عشر، وتبعتها جامعات أوروبية أخرى في تدريس الكتاب، مثل جامعة لوفين في بلجيكا، وجامعة مون بيلييه في فرنسا، وجامعة كراكوف في بولندا،