«إنجاز طبي واعد» باحثون يكشفون طريقة مبتكرة لتناول دواء الفصام أسبوعيًا بدلًا من يوميًا

«إنجاز طبي واعد» باحثون يكشفون طريقة مبتكرة لتناول دواء الفصام أسبوعيًا بدلًا من يوميًا

قد يواجه العديد من الأفراد المصابين بالفصام، أو غيره من الاضطرابات النفسية، أو حتى أمراض مزمنة كالسكري وارتفاع ضغط الدم والربو، صعوبة في الالتزام بتناول أدويتهم الموصوفة يوميًا، لذا، سعياً لتجاوز هذا التحدي، قام باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) بتطوير جيل جديد من الأقراص الدوائية، حيث يكفي تناولها مرة واحدة أسبوعيًا بدلًا من الالتزام اليومي، مع إطلاق تدريجي للدواء في المعدة

في سياق تجربة سريرية ضمن المرحلة الثالثة، أجرتها شركة تابعة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، عمد الباحثون إلى استخدام قرص دوائي أسبوعي لإيصال دواء يستخدم بشكل شائع في علاج أعراض الفصام، وقد أظهرت النتائج أن هذا النظام العلاجي الجديد يعمل على الحفاظ على مستويات ثابتة للدواء في أجسام المرضى، مع تحقيق سيطرة كاملة على الأعراض المشابهة لتلك التي توفرها الجرعات اليومية التقليدية، وقد نُشرت هذه النتائج في مجلة لانسيت للطب النفسي

جيل جديد من الأدوية

يقول جيوفاني ترافيرسو، الأستاذ المشارك في الهندسة الميكانيكية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وأخصائي أمراض الجهاز الهضمي في مستشفى بريجهام والنساء، والعضو المشارك في معهد برود، وأحد مؤلفي الدراسة: “لقد نجحنا في تحويل دواء كان يتطلب تناوله مرة واحدة يوميًا إلى دواء فموي يؤخذ مرة واحدة أسبوعيًا، وذلك باستخدام تقنية فريدة قابلة للتكيف مع مجموعة واسعة من الأدوية”، ويضيف: “إن القدرة على توفير جرعة ثابتة من الدواء على مدى فترة طويلة، وضمن نظام سهل الاستخدام، من شأنها أن تسهل بشكل كبير ضمان حصول المرضى على أدويتهم بانتظام”

بدأ مختبر ترافيرسو بتطوير هذه الكبسولة القابلة للهضم، والتي خضعت للدراسة في هذه التجربة لأكثر من عقد من الزمان، وذلك في إطار جهود مستمرة لتيسير تناول الأدوية على المرضى، والجدير بالذكر أن حجم الكبسولة مماثل لحجم قرص الفيتامينات المتعددة، وبعد ابتلاعها، تتمدد الكبسولة على شكل نجمة، مما يساعدها على البقاء في المعدة حتى يتم إطلاق جرعة الدواء بالكامل، بهذا، تشكل الكبسولة مستودعًا للأدوية في المعدة، حيث تطلق محتوياتها تدريجيًا، مما يلغي الحاجة إلى تناول المرضى للأدوية بشكل يومي

آلية عمل الكبسولة النجمية

على مدى العقد الماضي، انكب مختبر ترافيرسو على تطوير مجموعة متنوعة من الكبسولات التي يمكن ابتلاعها، والتي تبقى في الجهاز الهضمي لفترات تتراوح بين أيام وأسابيع، مع إطلاق تدريجي لحمولتها الدوائية، وفي عام 2016، أعلن فريقه عن تطوير “الجهاز النجمي”، الذي تم تطويره لاحقًا من قبل إحدى الشركات التابعة للمعهد لإجراء تجارب سريرية على مرضى الفصام

يشتمل الجهاز على ستة أذرع قابلة للطي، مما يسمح بوضعها داخل كبسولة صغيرة، وعندما تصل الكبسولة إلى المعدة، تذوب، مما يتيح للأذرع الانفتاح والتمدد، وبمجرد تمددها، يصبح الجهاز كبيرًا بما يكفي لمنعه من المرور عبر بوابة المعدة (مخرج المعدة)، فيبقى عائمًا بحرية داخل المعدة بينما يطلق الدواء ببطء من الأذرع، وبعد حوالي أسبوع، تنفصل الأذرع تلقائيًا، ويخرج كل جزء من المعدة ويمر عبر الجهاز الهضمي

في التجارب السريرية، احتوت الكبسولة على “الريسبيريدون”، وهو الاسم العلمي للدواء، وهو دواء شائع الاستخدام لعلاج الفصام، حيث يتناوله معظم المرضى عن طريق الفم مرة واحدة يوميًا، كما تتوفر أيضًا أنواع قابلة للحقن تُعطى كل أسبوعين، أو كل شهر، أو كل شهرين، ولكنها تتطلب إشرافًا طبيًا، وقد لا تكون مقبولة دائمًا لدى المرضى

وقد اختار فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا التركيز على مرض الفصام، انطلاقًا من الأمل في أن يتمكن هذا النظام العلاجي الجديد، الذي يمكن إعطاؤه بشكل أقل تكرارًا، ومن خلال التوصيل عن طريق الفم، من تسهيل العلاج لكل من المرضى ومقدمي الرعاية لهم

أكد ترافيرسو قائلًا: “من بين المجالات التي تم تحديدها مبكرًا والتي لم تتم تلبيتها بشكل كافٍ، تبرز الحالات النفسية العصبية، حيث يمكن للمرض أن يحد من قدرة الشخص على تذكر تناول أدويته أو أن يضعفها، ومن هذا المنطلق، كان الفصام من بين الحالات التي حظيت باهتمام كبير”، وقد أُجريت تجربة المرحلة الثالثة، بمشاركة 83 مريضًا من خمسة مواقع مختلفة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وقد أكمل 45 من هؤلاء المرضى الأسابيع الخمسة الكاملة من الدراسة، حيث تناولوا كبسولة واحدة أسبوعيًا تحتوي على الريسبيريدون

طوال فترة الدراسة، قام الباحثون بقياس كمية الدواء في مجرى دم كل مريض، ولاحظوا في كل أسبوع ارتفاعًا حادًا في مستوى الدواء في يوم تناوله، يليه انخفاض بطيء خلال الأسبوع التالي، ومع ذلك، ظلت جميع المستويات ضمن النطاق الأمثل، وكان التباين مع مرور الوقت أقل مما يُلاحظ عند تناول المرضى حبة دواء يوميًا

علاج فعال

باستخدام تقييم يُعرف باسم مقياس المتلازمة الإيجابية والسلبية (PANSS)، وجد الباحثون أيضًا أن أعراض المرضى ظلت مستقرة طوال فترة الدراسة، حيث إن عدم الانتظام في تناول الأدوية يمثل أحد أكبر العوائق التي تواجه رعاية المصابين بالأمراض المزمنة بشكل عام، وهذا يؤدي إلى تفاقم الأعراض، وفي حالة الفصام، قد يؤدي إلى الانتكاس ودخول المستشفى

يمثل خيار تناول الدواء عن طريق الفم مرة واحدة أسبوعيًا خيارًا مهمًا يساعد على الالتزام بالعلاج لدى العديد من المرضى الذين يفضلون الأدوية الفموية على الأدوية عن طريق الحقن

وجد الباحثون أن الآثار الجانبية للعلاج كانت طفيفة، حيث عانى بعض المرضى من ارتجاع حمضي خفيف وإمساك في بداية الدراسة، لكن هذه الأعراض لم تدم طويلًا، وتؤكد النتائج، التي تظهر فعالية الكبسولة وآثارها الجانبية القليلة، على أهمية هذا النهج المبتكر في توصيل الدواء

وصرّح الباحثون: “إن هذا يثبت صحة فرضيتنا التي وضعناها قبل عقد من الزمن، والتي تؤكد إمكانية استخدام كبسولة واحدة لتوفير مستودع للأدوية داخل الجهاز الهضمي، وما نراه هنا هو أن الكبسولة قادرة على تحقيق مستويات الدواء المتوقعة، بالإضافة إلى التحكم الفعال في الأعراض لدى مجموعة كبيرة من مرضى الفصام”

يأمل الباحثون الآن في إكمال دراسات المرحلة الثالثة الأوسع نطاقًا قبل التقدم بطلب للحصول على موافقة هيئة الأغذية والأدوية الأمريكية “FDA” على هذا النهج المبتكر لتوصيل الريسبيريدون

يقول روبرت لانجر، أستاذ معهد ديفيد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وأحد مؤلفي الدراسة الأصلية حول كبسولة النجمة: “نحن سعداء للغاية بأن هذه التكنولوجيا التي بدأت في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا قد وصلت إلى مرحلة التجارب السريرية للمرحلة الثالثة”