أكد الدكتور بدر عبد العاطي، وزير الخارجية والهجرة، أن مصر تحذر من أن المسار التصعيدي الراهن سينزلق بالمنطقة نحو مستقبل مجهول، ويؤدي إلى صراع إقليمي أوسع نطاقًا، مما يخلف تبعات غير مسبوقة على الأمن والاستقرار الإقليميين، وهذا يستدعي توحيد الجهود والتركيز على وقف إطلاق النار والعودة إلى مائدة المفاوضات، ووضع حد للتصعيد العسكري الحالي
جاء ذلك خلال الكلمة التي ألقاها وزير الخارجية، اليوم السبت، في الجلسة الافتتاحية للدورة الـ51 لمجلس وزراء منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول
صرح وزير الخارجية بأن اجتماعنا اليوم يأتي في ظل تصاعد خطير تشهده المنطقة جراء الاعتداء الإسرائيلي على إيران منذ فجر الثالث عشر من يونيو الجاري، وهو ما يمثل تصعيدًا إقليميًا واضحًا وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ومصر تدين هذا التصعيد لما يشكله من تهديد مباشر للأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي
أشار وزير الخارجية إلى أن الهجوم الإسرائيلي جاء قبل التوصل إلى نتائج لمسار “مسقط” التفاوضي، الذي أطلقته سلطنة عمان الشقيقة بهدف إيجاد حل سلمي للبرنامج النووي الإيراني في ظل ظروف إقليمية معقدة للغاية، وكانت تلك المفاوضات ترمي إلى تجنيب المنطقة الدخول في موجة جديدة من التصعيد والتفكك والصراع، حيث أن ذلك لن يخدم مصالح أي دولة في الشرق الأوسط، بل ستتحمل جميع دول المنطقة عواقبه دون استثناء
أوضح أن مصر تشدد على أنه لا توجد حلول عسكرية لهذه الأزمة، كما تدين مصر الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على المنشآت النووية الإيرانية، والتي تمثل انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني وقرارات الوكالة ومجلس الأمن ذات الصلة، والتي لا تزال تل أبيب تتجاهلها
وتابع قائلاً: “من هذا المنطلق، تؤكد مصر على أن التعامل مع الملف النووي الإيراني يجب أن يتم في إطار رؤية شاملة تعالج كافة المخاوف الأمنية المرتبطة بمنع الانتشار النووي في المنطقة، وذلك من خلال إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، وتحقيق عالمية معاهدة عدم الانتشار، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، في ظل رفض إسرائيل الانضمام إلى المعاهدة وإخضاع منشآتها النووية لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على الرغم من القرارات الدولية العديدة الصادرة في هذا الشأن”
وقال وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج “على خلفية هذا المشهد الإقليمي المعقد، يجب ألا نغفل ما يتعرض له الشعب الفلسطيني الشقيق من انتهاكات مستمرة نتيجة للعدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، والمساعي المغرضة التي تهدف إلى تهجير الشعب الفلسطيني الأبي والصامد من أرضه، في انتهاك صارخ للشرعية الدولية والقانون الدولي برمته”
وأضاف: “لقد اضطلعت منظمة التعاون الإسلامي بدور محوري في دعم القضية الفلسطينية، واليوم، أكثر من أي وقت مضى، تقع على عاتقنا مسؤولية تاريخية في مواجهة محاولات فرض الأمر الواقع على الشعب الفلسطيني، ووقف الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، وتوظيف أصواتنا للتأكيد على أنه لا يمكن التوصل إلى حل مستدام للأزمات المختلفة التي تواجهها منطقتنا دون معالجة جذورها ومسبباتها، وذلك من خلال إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية على خطوط الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية”
أكد وزير الخارجية أنه انطلاقًا من هذا، تؤكد مصر أن القضية الفلسطينية ستظل على رأس أولويات السياسة الخارجية المصرية، التزامًا بدورنا التاريخي في الدفاع عن الحقوق العربية والإسلامية، وشدد على أن مصر سعت منذ بداية العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة إلى التوصل لوقف دائم لإطلاق النار بالتعاون مع أشقائنا في قطر، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، والعمل على إنهاء العدوان على القطاع على كافة المستويات، وذلك لإنهاء الكارثة الإنسانية التي حلت بأكثر من مليوني فلسطيني
أعرب عن ترحيب مصر بالمواقف الدولية والإقليمية الرسمية والشعبية الداعمة للحقوق الفلسطينية، والرافضة للحصار والتجويع والانتهاكات الإسرائيلية الصارخة والمنهجية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، مثمنًا الدعم القيم من دول منظمة التعاون الإسلامي الذي أدى إلى اعتماد الخطة العربية الإسلامية لإعادة إعمار غزة في هذا التوقيت الحاسم، والتي حظيت بترحيب من مختلف دول العالم، وهي الخطة التي يجب الاستمرار في وضع تصورات لتنفيذها، بحيث يمكن البدء في تطبيقها فور التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وعقد مؤتمر دولي رفيع المستوى في القاهرة لدعم الخطة
كما أكد وزير الخارجية أن مصر بذلت كل الجهود الممكنة لدعم استعادة الاستقرار في دولة السودان الشقيقة في إطار احترام سيادة ووحدة أراضي السودان، وشدد على أن مصر لم ولن تدخر جهدًا للتعاون مع الشركاء والأشقاء لدعم الاستقرار في هذا البلد المهم، والذي يجمعنا به وحدة المصير والمسار، بالإضافة إلى إطلاق عملية سياسية بملكية سودانية دون أية إملاءات أو تدخلات خارجية
من ناحية أخرى، شدد وزير الخارجية على وقوف مصر إلى جانب الشعب السوري الشقيق، ودعم أمن واستقرار والحفاظ على وحدة مؤسساتها الوطنية وسلامة أراضيها، وضرورة العمل على انتقال سياسي يشمل كافة الطوائف في سوريا
كما أعرب عن إدانة مصر للانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للسيادة السورية واللبنانية، وتأكيدها على ضرورة الانسحاب الفوري من الجولان وبقية الأراضي السورية، وكذلك من الجنوب اللبناني، والالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701
فيما يتعلق بليبيا، أكد وزير الخارجية استمرار مصر في جهودها المكثفة للتوصل إلى مصالحة سياسية من خلال مسار سياسي شامل، بما يمكن الشعب الليبي من اختيار قيادته مع خروج كافة القوات والميليشيات الأجنبية من الأراضي الليبية، لضمان حماية وحدة ليبيا وسلامة أراضيها، وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية الليبية بالتزامن وفي أسرع وقت ممكن
وقال وزير الخارجية “لقد حان الوقت لكي يستعيد اليمن، هذا البلد العريق، توازنه واستقراره من خلال تسوية شاملة تنهي الأزمة الإنسانية التي طالته لسنوات، وتحافظ على وحدته ومؤسساته الشرعية”
وأكد دعم مصر الكامل للصومال الشقيق، داعيًا جميع الشركاء الإقليميين والدوليين إلى دعم الحكومة الصومالية، والحفاظ على أمن واستقرار الصومال، الذي يمثل جزءًا لا يتجزأ من استقرار المنطقة بأسرها
وأكد وزير الخارجية الدكتور بدر العاطي أنه فيما يخص الموضوع محل تناول دورتنا الحالية: “منظمة التعاون الإسلامي في عالم متغير” فمازالت التحديات ماثلة في أوطاننا على الصعيد التنموي في ظل التفاوت الكبير في مستويات التنمية بين الدول الأعضاء، وارتفاع نسب البطالة والفقر في الكثير منها، فضلاً عن تفاقم التهديدات العابرة للحدود، وعلى رأسها الأمن الغذائي والمائي واللاجئين، وهو الأمر الذي يتطلب النظر في توسيع دائرة اهتمامات دولنا للموضوعات الاقتصادية والتنموية، والبحث عن سبل لتعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري والتجارة البينية بين الدول الأعضاء.
وثمن الوزير في هذا الاطار الدعوة إلى مراجعة اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات بين دول المنظمة.
وفي سياق متصل.. أشار وزير الخارجية إلى أهمية الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي والتي وإن تمثل تحديات لبعض المجتمعات نظراً لإحلالها محل بعض الوظائف وضرورة حوكمتها في إطار مبادئ القانون الدولي، إلا أنها ستخلق فرص عمل جديدة في قطاعات أخرى وتساهم في تقريب الفجوة بين الدول النامية والمتقدمة حال تمكنا من استغلالها بالصورة الأمثل، وذلك مثلما أحدثته وسائل التواصل الاجتماعي، مضيفا أن مصر تدعو إلى تخصيص مجموعة عمل بالمنظمة تبحث في تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء حول كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي في محاور التنمية المستدامة.
وأضاف أنه لا يمكن أن نغض الطرف عن تزايد حملات “الإسلاموفوبيا” مما يستوجب تعزيز دور المؤسسات الدينية والإعلامية في دولنا للدفاع عن الصورة الحقيقية للدين الإسلامي الحنيف، والتصدي لحملات التشويه من خلال الحوار البناء القائم على المعلومات الدقيقة عن صحيح الدين.
وتابع ” أننا ندعم في هذا الصدد الجهود التي يقوم بها سعادة المبعوث الأممي لمكافحة “الإسلاموفوبيا” في توعوية المجتمع الدولي بتنامي هذه الظاهرة وخطورة تجاهلها.
وقال وزير الخارجية إن العوامل التي سبق الإشارة لها والظروف الإقليمية المتوترة التي نعيشها تدفعنا إلى النظر بجدية في إصلاح المنظمة، وتطوير آليات عملها لتتواكب مع حجم التحديات والتطورات الاقتصادية والاجتماعية الهائلة التي يشهدها العالم حالياً.
كان وزير الخارجية قد افتتح كلمته بتوجيه الشكر الخالص إلى الجمهورية التركية لاستضافتها اجتماع الدورة الحادية والخمسين لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، معربًا عن تقديره لكرم الضيافة وحسن الاستقبال