«نحو تربية واعية» ماذا تعرف عن التنشئة الوالدية: آثار نفسية على الأطفال وتوصيات أساسية

«نحو تربية واعية» ماذا تعرف عن التنشئة الوالدية: آثار نفسية على الأطفال وتوصيات أساسية

في كثير من الأحيان، تجد الفتيات أنفسهن مسؤولات عن رعاية إخوتهن الصغار، وذلك لأسباب متنوعة في مقدمتها غياب الأم أو الأب، وقد يتعدى الأمر مجرد الاهتمام بالأشقاء ليشمل رعاية الوالدين أو أحدهما، الأمر الذي قد يخلف آثارًا نفسية عميقة على الفتاة مستقبلًا،

ووفقًا لموقع “Very wee mind”، يمكن أن تعزى هذه الظاهرة إلى مرض أحد الوالدين، أو نتيجة للعيش في كنف والد واحد فقط، أو لعدم النضج العاطفي لدى الوالدين،

### الأدوار المعكوسة

توضح روبين كوسلويتز، الأخصائية النفسية ومؤلفة كتاب “التربية بعد الصدمة”، أن ما يسمى بـ “التنشئة الأبوية” يحدث عندما يُوضع الطفل في موقع المسؤولية عن الرعاية بشكل لا يتناسب مع مرحلته العمرية، سواء كان ذلك جسديًا أو عاطفيًا أو كليهما، وتضيف أن هذا النوع من الأدوار المعكوسة يحدث عندما يتولى الطفل تلبية احتياجات الوالد بدلًا من العكس، وذلك لأن الوالد غير قادر أو غير راغب في القيام بدور الراعي،

تشمل التنشئة الوالدية العملية قيام الطفل بمهام الرعاية المادية أو التنظيمية، مثل إعداد الطعام وتجهيز الأخوة الصغار للمدرسة، بينما تصف التنشئة العاطفية الطفل الذي يقدم الدعم النفسي للوالد، ويلعب دور صانع السلام أو المعالج،

على الرغم من أن التنشئة الأبوية المادية قد تكون أكثر وضوحًا، إلا أن التنشئة الأبوية العاطفية تعتبر أكثر ضررًا، فالطفل الذي يتربى تحت تأثير التنشئة الأبوية يتحول إلى وعاء لمشاعر البالغين، الأمر الذي يمكن أن يضعف إحساسه بذاته ويعيق نموه،

### أسباب التنشئة الأبوية

هناك أسباب مختلفة تدفع الآباء إلى ممارسة التنشئة الأبوية، سواء عن قصد أو عن غير قصد، ففي بعض الأحيان، تأتي هذه الممارسة كضرورة ملحة، كما هو الحال عندما يكون الطفل هو الأخ الأكبر في أسرة يعاني فيها أحد الوالدين من مرض خطير أو فقد شريك حياته مؤخرًا، وفي هذه الحالات، يجد الطفل نفسه مضطرًا للقيام بدور الراعي لمساعدة الأسرة على تجاوز الأزمة،

في حالات أخرى، تنشأ التنشئة الأبوية نتيجة لعدم النضج العاطفي أو الغياب من جانب الوالدين، فعندما يكون مقدم الرعاية مثقلًا بالأعباء، أو منعزلًا، أو غير قادر على التعامل مع مسؤوليات الحياة، يتم توظيف الطفل دون وعي لسد هذه الفجوات، ولهذا السبب، غالبًا ما نرى التنشئة الأبوية العاطفية في الأسر التي تعاني من المرض، أو الإدمان، أو الطلاق، أو الصعوبات المالية،

### علامات تدل على أن الابنة تلعب دور الأم

يؤكد الخبراء أن التنشئة الأبوية يمكن أن تؤثر على كلا الجنسين، إلا أنها غالبًا ما تصيب الفتيات الصغيرات بسبب التوقعات المجتمعية والظروف المحيطة، ففي العديد من العائلات، يقع عبء العمل العاطفي والمنزلي على عاتق الفتيات، نظرًا لتربيتهن على الاهتمام بالآخرين،

مع الأخذ في الاعتبار ما سبق، هناك بعض العلامات الشائعة للتنشئة الأبوية لدى الفتيات التي يجب الانتباه إليها، وهي:

### شخصية هادئة وناضجة للغاية

غالبًا ما يبدو الطفل الذي ينشأ في ظل التنشئة الأبوية ناضجًا ومستقرًا عاطفيًا، لكن هذه الصفات غالبًا ما تكون متجذرة في التكيف المفرط المزمن بدلًا من الاستقرار الحقيقي، فهم يتعلمون في سن مبكرة مراقبة بيئتهم، وتتبع المشاعر المحيطة بهم، وتعديل سلوكهم تبعًا لذلك، مما قد يؤدي إلى تجنبهم للصراعات وكبتهم لذواتهم،

كثيرًا ما يتم الإشادة بالفتيات اللاتي نشأن في كنف التنشئة الأبوية لكونهن “أكثر حكمة من أعمارهن”، لكن هذا ليس مدحًا، بل هو علامة تحذير، فالصدمة تسرع النمو العاطفي بشكل مصطنع، وقد يبدو ذلك نضجًا، إلا أنه يخفي وراءه هشاشة عميقة،

### الانتقال إلى وضع “صديقة الأم” افتراضيًا

تصبح الابنة التي ترعى أحد الوالدين هي الشخص الذي يلجأ إليه الأصدقاء وزملاء العمل، لكنها قد تعاني داخليًا من القلق والإرهاق والاستياء، بالإضافة إلى خوف دائم من أن ينهار كل شيء إذا توقفت عن تقديم الرعاية، وقد تخلط بين الرعاية والتواصل الحقيقي، فإذا لم تعتنِ بالشخص الآخر عاطفيًا أو جسديًا، فقد تشعر بأنه لم يعد بحاجة إليها، وبالتالي تصبح الصداقة غير حقيقية،

### الكمال

قد تلاحظ الفتيات اللاتي نشأن في كنف التنشئة الأبوية أن الاهتمام بالتفاصيل يساهم في الحفاظ على الهدوء في حياتهن الأسرية، وفي مرحلة المراهقة والبلوغ، قد يظهر ذلك في السعي إلى الكمال في مهام الرعاية، بل وفي جميع جوانب حياتهن الأخرى، بمعنى أنه إذا تم كل شيء على أكمل وجه، فلن يغضب أحد، ولن ينهار شيء، ولن يتم لومهن،

### إرضاء الناس

تتعلم الفتيات اللاتي نشأن في ظل التنشئة الأبوية أن يضعن احتياجات الآخرين فوق احتياجاتهن الخاصة وأن يكن لطيفات، وقد يتطور هذا إلى ربط الأمان بإرضاء الآخرين، ويعتقدن أن مجرد إسعاد من حولهن يضمن لهن الحب والصداقة،

### صعوبة طلب المساعدة

بسبب اعتيادهن على دعم الآخرين، قد يبدو الاعتماد على الآخرين في أوقات الحاجة أمرًا غريبًا، أو حتى غير آمن،

### الشعور بالذنب عند التعبير عن احتياجاتهن

الفتيات اللاتي نشأن في كنف التنشئة الأبوية كن دائمًا يضعن احتياجات الآخرين قبل احتياجاتهن الشخصية، لذلك قد يشعرن في البداية بأن احتياجاتهن عبء، أو بأنهن أنانيات أو مبالغات عندما يعبرن عن احتياجاتهن، لأنهن لم يعتدن على ذلك في طفولتهن،

### تأثير التربية الوالدية على الصحة النفسية

تحمل الطفل مسؤوليات الكبار يخلق بيئة مناسبة لفرط التيقظ والضغط الداخلي، إذ يتعين عليه دائمًا توقع احتياجات الوالد، وعلى المدى الطويل، قد يؤدي هذا إلى مشاعر القلق والاكتئاب والإرهاق النفسي والاعتمادية المفرطة والإرهاق العاطفي،

تشير الأبحاث إلى أن الأطفال الذين يمرون بهذه الظروف تظهر لديهم معدلات أعلى من تعاطي المخدرات والإدمان، وفرص عمل محدودة وبطالة، وضعف الصحة البدنية، وتدني التحصيل الدراسي، بالإضافة إلى كونهم أكثر عرضة لتكوين علاقات غير صحية،

### استراتيجيات للتكيف والشفاء

مرور الطفل بتجربة التنشئة الأبوية يؤثر عليه نفسيًا بشكل كبير في المستقبل، لكن هناك بعض الاستراتيجيات التي يمكن أن تساعده على التعافي في مرحلة البلوغ، ومنها:

* الوعي بالمشكلة هو الخطوة الأولى لاستعادة الاستقلالية والتعافي النفسي،
* عندما يعرض عليك شخص ما الدعم أو اللطف، اسمح له بذلك دون التقليل من شأنه أو تفسيره أو تقديم أي شيء في المقابل،
* من المهم أن تتوقف عن كونك وعاء لوالديك فقط، وأن تحتفظ بمساحة عاطفية لنفسك، وتتخلص من الشعور بالذنب أو الخجل بسبب رغبتك في أن يتم الاعتناء بك،
* عندما تشعر برغبة ملحة في إصلاح أمر ما أو رعاية شخص ما، توقف واسأل نفسك هل هذه مسؤوليتك حقًا، هل يمكن لصديقك حل هذه المشكلة بمفرده بنصيحة بسيطة، إذا كان الأمر كذلك، فلا داعي للتجاوز، فتربية صديقك ليست من مسؤوليتك،
* انتبه لكيفية استنزاف نفسك في علاقة ما وتجاهل احتياجاتك، ليس عليك ترك هذه العلاقات، ولكن عليك التوقف عن المبالغة فيها،
* إذا لم تتح لك الفرصة للمشاركة في نشاط ترفيهي في صغرك بسبب انشغالك بمسؤوليات الكبار، فابحث عن تلك التجارب الآن، مارس هواية محببة أو لعبة رياضية واستمتع بها، فالشفاء لا يأتي فقط من خلال معالجة الألم، بل أيضًا من اختيار البهجة،