أكد الدكتور عبد المنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن المواجهة العسكرية المباشرة بين إسرائيل وإيران الحالية تحمل في طياتها تداعيات سلبية جمة على الاقتصاد العالمي، مما يستدعي الانتباه والتحليل الدقيق، وتقييم شامل للتأثيرات المحتملة، وتوقع السيناريوهات المستقبلية
تأثير الحرب على أسواق الطاقة
أوضح مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية في تصريحات خاصة لـ”صدى البلد” أن الحرب بين إسرائيل وإيران أدت إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار استخدام ناقلات النفط عالميًا، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار أسهم شركات الناقلات، وذلك نتيجة توقعات المستثمرين بحدوث اضطرابات كبيرة في حركة نقل النفط العالمية وسلاسل التوريد، وحتى في حركة النقل الجوي، مما يزيد من حالة عدم اليقين في الأسواق، ويؤثر على قرارات الاستثمار والتخطيط الاقتصادي
كما شهدت أسعار عقود الشحن الآجلة لشهر يوليو ارتفاعًا بنسبة 15% لتصل إلى 12,83 دولار للطن، في حين قفزت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا بنسبة 5,7%، مسجلة أكبر ارتفاع لها منذ أكثر من 5 أسابيع، ما يعكس حالة القلق المتزايدة بشأن إمدادات الطاقة وتأثيرها على الاقتصاد الأوروبي، ويزيد من الضغوط على المستهلكين والشركات على حد سواء
توقعات بارتفاع أسعار النفط والتضخم
توقع الدكتور عبد المنعم السيد أنه في حال استمرار الحرب، فسيكون لها تأثير مباشر على زيادة أسعار النفط العالمية، لتتراوح بين 95 إلى 100 دولار للبرميل، وقد تتجاوز ذلك في حال استمرار الصراع لفترة أطول، خاصة مع تزايد الطلب خلال فصل الصيف، وهو ما يزيد من المخاوف بشأن ارتفاع معدلات التضخم وتأثيرها على القدرة الشرائية للمواطنين، ويقلل من فرص تحقيق النمو الاقتصادي المستدام
ومن المعلوم أن كل زيادة بنسبة 10% في أسعار النفط ترفع التضخم بما يقارب 0,2 نقطة مئوية، وتقلل النمو بنحو 0,1 نقطة، وبالتالي من المؤكد انخفاض معدل النمو الاقتصادي العالمي، مما يصعب على البنوك المركزية مثل الفيدرالي وغيرها القيام بخفض الفائدة، ويزيد من التحديات التي تواجهها الاقتصادات العالمية في مواجهة التضخم والركود المحتمل
تأثيرات أخرى على الأسواق العالمية
أضاف السيد أن أسواق الأسهم العالمية ستتأثر بشكل خاص، خاصة أسهم شركات الطيران والنقل والسياحة وغيرها، حيث تتأثر الأسواق المالية العالمية بالتوترات الجيوسياسية، مما يؤدي إلى تقلبات حادة في أسعار الأسهم والعملات، ويزيد من حالة عدم اليقين في الأسواق، ويؤثر على قرارات المستثمرين والمتداولين
فضلاً عن ذلك، ستشهد تكاليف التأمين زيادة ملحوظة، حيث ترتفع تكاليف التأمين على الشحنات والتجارة بسبب المخاطر العالية في منطقة الشرق الأوسط، وقد يتراجع الاستثمار الأجنبي في المنطقة بسبب المخاطر السياسية، مما يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي، وقد تؤثر الحرب أيضًا على السياسات التجارية وتوجهات الدول نحو الشراكات الاقتصادية، مما يزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي العالمي
تأثيرات الحرب علي الاقتصاد المصري
أشار مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية إلى أن هناك تأثيرات سلبية للحرب الجارية على الاقتصاد المصري، والتي تتجلى في عدة جوانب منها:
- تراجع حركة الملاحة داخل قناة السويس وانخفاض إيراداتها لأكثر من 60%
- تضرر قطاع السياحة المصري، خاصة في المناطق المجاورة للأحداث مثل شرم الشيخ ورأس محمد ودهب ونويبع وطابا، وإلغاء العديد من الحجوزات
وذكر الدكتور عبد المنعم السيد أن تداعيات الحرب الحالية والتوسع الإقليمي فيها أدت إلى زيادة أسعار الغاز عالميًا وأسعار النفط، خاصة بعد قصف مصافي بترول في إيران، لافتًا إلى أن مصر قد وقعت عقودًا آجلة على الغاز الطبيعي بالسعر القديم قبل زيادة الأسعار، مما وفر أكثر من نصف مليار دولار، وهو ما يمثل إضافة إيجابية للاقتصاد المصري في ظل هذه الظروف الصعبة
كما أن زيادة تكلفة النقل والتأمين البحري ستؤثر سلبًا على زيادة أسعار السلع والمنتجات، بالإضافة إلى انكماش حركة الاستثمارات الواردة إلى مصر، وهو ما يستدعي اتخاذ تدابير عاجلة للتخفيف من هذه التأثيرات السلبية وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد المصري في مواجهة التحديات العالمية
مقترحات لمواجهة التحديات الاقتصادية
أضاف السيد أن الحكومة المصرية تتحمل عبئًا كبيرًا في توفير السلع الاستراتيجية والتوسع في التخزين لها، بالإضافة إلى اتباع سياسات الترشيد للإنفاق الحكومي وإعادة الهيكلة المالية للموازنة العامة عن العام المالي الجديد الذي سيبدأ في أول يوليو 2025، وهو ما يتطلب اتخاذ قرارات صعبة وإجراءات جريئة لضمان تحقيق الاستدامة المالية والنمو الاقتصادي المستدام
كما شدد على أهمية وضع سياسات مالية لتحفيز الاقتصاد وزيادة معدلات النمو، وتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية وتقديم المزيد من التيسيرات لها، وهو ما يتطلب تضافر جهود الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني لتحقيق الأهداف الاقتصادية المنشودة وتحسين مستوى معيشة المواطنين
دور البنك المركزي المصري
أكد مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية أنه من المتوقع أن يتبع البنك المركزي المصري سياسات نقدية متوازنة تهدف إلى الحفاظ على الاحتياطي النقدي الذي تجاوز 48,5 مليار دولار من ناحية، وتوفير الاحتياجات المالية للتوسع في شراء المخزون الاستراتيجي وتدبير المواد البترولية التي تحتاجها الدولة من ناحية أخرى، وهو ما يعكس الدور الحيوي للبنك المركزي في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والمالي للبلاد في ظل الظروف الصعبة التي يشهدها العالم