لم تقتصر جهود مصر في دعم القضية الفلسطينية على المواجهات العسكرية، بل انخرطت الدولة المصرية في سلسلة معارك سياسية ودبلوماسية وإنسانية، واجهت خلالها تحديات جمة وظروفًا بالغة الصعوبة، وذلك للحفاظ على مكانة القضية الفلسطينية في صميم أولوياتها القومية والعربية، فمصر لم تدخر جهدًا في سبيل نصرة الحق الفلسطيني، وتقديم الدعم اللازم على كافة الأصعدة.
أولاً: الحرب الدبلوماسية
منذ نكبة عام 1948، تصدرت مصر المشهد في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني في مختلف المحافل الدولية، بدءًا من الأمم المتحدة، ومرورًا بمجلس الأمن، وصولًا إلى جامعة الدول العربية، ولقد واجهت مصر خلال تلك الحقبة انتقادات وضغوطًا دولية من قوى كبرى بسبب تمسكها بمواقفها الرافضة للاستيطان وتهجير الفلسطينيين.
ثانيًا: معركة المفاوضات
انخرطت مصر في مسيرة طويلة لدعم المصالحة بين الفصائل الفلسطينية المتعددة، واستضافت جولات حوار في القاهرة على مدى عقود، انطلاقًا من إيمانها الراسخ بأن وحدة الصف الفلسطيني تشكل حجر الزاوية في الصمود السياسي، كما اضطلعت بدور الوسيط النزيه في جهود وقف إطلاق النار، على الرغم من تعقيدات الوضع والضغوط المتزايدة.
ثالثًا: الحرب الإعلامية وحرب الوعي
سعت مصر جاهدة لمواجهة حملات التضليل الإعلامي الإسرائيلية التي تحاول تصوير الصراع كأمر واقع لا يمكن تغييره، ووظفت أدواتها الإعلامية والدبلوماسية لترسيخ الرواية الفلسطينية الحقيقية وكشف ممارسات الاحتلال أمام العالم أجمع، في ظل تسابق قوى إعلامية أخرى على تزييف الحقائق وتشويه صورة الصراع.
رابعًا: التحديات الأمنية
تكبدت مصر خسائر أمنية كبيرة بسبب موقعها الجغرافي ودورها المحوري في قطاع غزة، ومع ذلك، لم تتخلَّ عن مسؤوليتها الإنسانية ولم تغلق معبر رفح، بل حافظت عليه كشريان حياة أساسي لسكان غزة، وتولت إدارته بحكمة ومسؤولية، مع الموازنة الدقيقة بين متطلبات الأمن القومي وأبعاد الدور الإنساني.
خامسًا: الحصار الاقتصادي والدعم الإنساني
تحملت مصر أعباء دعم القطاع الصحي والإنساني في غزة، رغم التحديات الاقتصادية التي تواجهها، وذلك من خلال إرسال القوافل الطبية والمستشفيات الميدانية، واستقبال الجرحى والمصابين، والتنسيق المستمر مع المنظمات الدولية لضمان وصول المساعدات الإنسانية، في مواجهة التعنت الإسرائيلي الذي يعرقل تدفق المساعدات ويضاعف معاناة السكان.
إن دفاع مصر عن القضية الفلسطينية لم يقتصر على ساحات القتال، بل امتد ليشمل مجالات السياسة، والدبلوماسية، والصبر، وتحمل الضغوط الدولية، والإصرار على دعم الحق الفلسطيني مهما كانت التضحيات.
إنها معركة من نوع فريد، لا تُشهر فيها الأسلحة، بل تُرفع فيها رايات المواقف الثابتة، وتُدفع فيها الأثمان من مكانة الدول وعزيمة شعوبها.