ارتفاع ضغط الدم يمثل تحديًا صحيًا عالميًا متزايدًا يشمل جميع الفئات العمرية، ويشهد انتشارًا ملحوظًا بين البالغين والمراهقين، ويعزى ذلك بشكل أساسي إلى تبني أنماط حياة قليلة الحركة، بالإضافة إلى مشكلات السمنة وسوء التغذية، وهي عوامل رئيسية تسهم في تفاقم هذه الحالة الصحية، وفقًا لتقرير نشره موقع “تايمز أوف انديا”
وفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2023، يعاني ما يقدر بنحو 1.28 مليار شخص بالغ تتراوح أعمارهم بين 30 و79 عامًا من ارتفاع ضغط الدم على مستوى العالم، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 1.5 مليار بحلول عام 2025، والأمر المقلق هو أن أقل من 20% من المصابين بارتفاع ضغط الدم يتمتعون بمستويات ضغط دم تحت السيطرة، مما يجعل ارتفاع ضغط الدم غير المنضبط يشكل تحديًا صحيًا عامًا كبيرًا، إذ يساهم في حوالي نصف الوفيات الناجمة عن أمراض القلب على مستوى العالم، بالإضافة إلى السكتات الدماغية التي تعد من المضاعفات الخطيرة المرتبطة بارتفاع ضغط الدم، وفي عام 2015، أودت السكتة الإقفارية المرتبطة بارتفاع ضغط الدم بحياة 1.5 مليون شخص (50% من وفيات السكتة الإقفارية)، بينما بلغت وفيات السكتة النزفية 2 مليون حالة (58.3%)
يعد ارتفاع ضغط الدم من الأمراض التي تتزايد بشكل كبير في مختلف أنحاء العالم، مما يستدعي اتخاذ تدابير وقائية وعلاجية فعالة للحد من انتشاره وتقليل مضاعفاته الخطيرة، ويمكن أن تؤثر التغيرات في نمط الحياة بشكل كبير على الوقاية من ارتفاع ضغط الدم والسيطرة عليه، لذلك يُنصح باتباع نظام غذائي صحي ومتوازن، وممارسة النشاط البدني بانتظام، والحفاظ على وزن صحي، وتجنب التدخين، والحد من تناول الكحول، وإدارة مستويات التوتر، ويمكن أن تساعد هذه التغييرات في خفض ضغط الدم وتقليل خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والمضاعفات الأخرى المرتبطة بارتفاع ضغط الدم
ماذا يمكن أن يفعل ارتفاع ضغط الدم بنا
على الرغم من سهولة تشخيص ارتفاع ضغط الدم، فإنه يظل من الأسباب الرئيسية للمضاعفات الصحية الخطيرة التي تهدد الحياة، خاصة تلك التي تؤثر على الدماغ والجهاز العصبي
غالبًا ما يُشار إلى ارتفاع ضغط الدم بـ “القاتل الصامت” لأنه قد يتسبب في تلف الجسم لسنوات دون ظهور أعراض واضحة، وإذا تُرك دون علاج، فإنه يؤثر على العديد من الأعضاء والأجهزة الحيوية، مما يؤدي إلى مضاعفات صحية وخيمة، ويمكن أن يؤدي ارتفاع ضغط الدم إلى مجموعة واسعة من المشاكل الصحية، مثل النوبات القلبية، وقصور القلب، وتمدد الأوعية الدموية، والسكتات الدماغية، والتدهور المعرفي، والخرف، وفقدان البصر، وتلف الكلى، وارتفاع ضغط الدم الرئوي، وحتى فقدان الأطراف نتيجة لمرض الشرايين الطرفية
ما العلاقة بين ارتفاع ضغط الدم وصحة الدماغ
يُعد ارتفاع ضغط الدم عاملًا رئيسيًا يساهم في تطور كل من السكتة الدماغية وتمدد الأوعية الدموية، وهما من أخطر المضاعفات الناتجة عن ارتفاع ضغط الدم غير المسيطر عليه، والتي تشكل تهديدًا كبيرًا على الحياة، ويتسبب ارتفاع ضغط الدم في إحداث ضغط مستمر على الشرايين، مما يؤدي إلى إضعاف جدرانها مع مرور الوقت
بالنسبة للدماغ، يمكن أن يؤدي ذلك إلى نوعين رئيسيين من السكتات الدماغية، وهما السكتة الدماغية الإقفارية، التي تحدث نتيجة لانسداد أو تضييق الشرايين مما يقلل من تدفق الدم، والسكتة الدماغية النزفية، التي تنتج عن تمزق أحد الأوعية الدموية وحدوث نزيف داخل الدماغ، وكلا النوعين يمكن أن يتسببا في تلف عصبي دائم، أو إعاقة، أو حتى الوفاة، بالإضافة إلى ذلك، يزيد ارتفاع ضغط الدم المزمن من خطر الإصابة بتمدد الأوعية الدموية الدماغية، وهي مناطق منتفخة وضعيفة في جدران شرايين الدماغ قد تتمزق بشكل غير متوقع، مما يؤدي إلى سكتة دماغية نزفية مفاجئة وغالبًا ما تكون قاتلة
ليست هذه الحالات مجرد حالات طبية طارئة، بل هي أيضًا من الأسباب الرئيسية للضعف الإدراكي والجسدي طويل الأمد، ويتسبب ارتفاع ضغط الدم المزمن في إلحاق الضرر ببنية ووظيفة الأوعية الدموية الدماغية، مما يؤدي إلى أمراض الأوعية الدموية الصغيرة والكبيرة، وبدوره يزيد ذلك من خطر التدهور المعرفي، والخرف الوعائي، وحتى مرض الزهايمر، ويعتبر ارتفاع ضغط الدم من عوامل الخطر الرئيسية القابلة للتعديل للتدهور المعرفي والخرف
الكشف المبكر والإدارة المستمرة وتغيير نمط الحياة كلها عوامل حيوية للحفاظ على صحة الدماغ، مما يساعد على تقليل عبء الأمراض العصبية التي تسبب الشلل والإعاقة، ويتسبب ارتفاع ضغط الدم في ضغط مستمر على الأوعية الدموية، مما يؤدي إلى تلف وتضييق الشرايين التي تغذي الدماغ، ويقلل ذلك من تدفق الدم ويحرم خلايا الدماغ من الأكسجين والمغذيات الضرورية، وبمرور الوقت، يؤدي ذلك إلى فقدان الذاكرة والنسيان وصعوبات في الانتباه والتركيز نتيجة لانخفاض نشاط القشرة الجبهية الأمامية، وبطء في سرعة المعالجة، كما يعيق تلف المادة البيضاء التواصل العصبي، ويزيد ارتفاع ضغط الدم المستمر من خطر الإصابة بالخرف الوعائي ومرض الزهايمر من خلال تسريع ضمور الدماغ وتراكم البروتينات الضارة
ينتشر ضعف الإدراك بشكل ملحوظ بين الأشخاص المصابين بارتفاع ضغط الدم، إذ يحتمل أن يعاني ما يصل إلى 41% من هؤلاء الأشخاص من ضعف الإدراك مقارنة بمن يتمتعون بضغط دم طبيعي، ويزداد الخطر بشكل كبير مع ارتفاع ضغط الدم الشديد، لذلك، يعتبر الكشف المبكر والإدارة الفعالة لارتفاع ضغط الدم أمرًا بالغ الأهمية لمنع المضاعفات المتعلقة بصحة الدماغ، وعندما يكون ضغط الدم مرتفعًا جدًا لفترة طويلة، فقد يتلف الحاجز الدموي الدماغي (BBB) الواقي في الدماغ، الذي يعمل كبوابة أمان تمنع دخول المواد الضارة إلى الدماغ وتسمح بدخول العناصر الغذائية التي يحتاجها
في حالة ارتفاع ضغط الدم، قد يحدث تسرب في هذا الحاجز، مما يسمح بدخول السموم والمواد غير المرغوب فيها إلى الدماغ، وهو ما قد يسرع من مشاكل الذاكرة والتفكير، ويزيد من خطر الإصابة بالخرف، كما يقلل ارتفاع ضغط الدم أيضًا من تدفق الدم إلى أجزاء مهمة من الدماغ، وخاصة المناطق المسؤولة عن التفكير والذاكرة، مما يسبب تلفًا أكبر لخلايا الدماغ، وهذا يصعب التخطيط واتخاذ القرارات ومعالجة المعلومات بسرعة، وقد أظهرت الأبحاث أن الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم ولا يتناولون أدوية هم أكثر عرضة للإصابة بمشاكل في التفكير والذاكرة بأربع مرات، بينما يظل أولئك الذين يتناولون الأدوية أكثر عرضة بمرتين تقريبًا من الأشخاص ذوي ضغط الدم الطبيعي