الغش في الامتحانات الوطنية يمثل تحديًا كبيرًا يعيق تقدم التعليم في المغرب، فمع كل دورة امتحانية، تعود المناقشات حول أفضل الطرق لمواجهة هذه المشكلة، وغالبًا ما تعتمد السلطات على تشديد العقوبات كحل أساسي، إلا أن فاعلية هذه الإجراءات تبقى موضع شك ونقاش دائم بين الخبراء والمهتمين بالشأن التربوي
تتعدد وجهات النظر حول هذه القضية، فمنهم من يرى ضرورة التشدد في العقوبات كحل وقائي، بينما يدعو آخرون إلى تبني استراتيجيات تربوية متكاملة لمعالجة الأسباب الجذرية للمشكلة
الغش انعكاس لقيم المجتمع
يرى إدريس الصنهاجي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة ظهر المهراز بفاس، أن قضية الغش “مرتبطة بشكل وثيق بقيم المجتمع ككل، وليست مجرد مشكلة في النظام التعليمي”، موضحًا أن الغش “ظاهرة أعمق مما تبدو، حيث تتساهل بعض الأسر معها وتعتبرها أمرًا عاديًا، بل قد توفر لأبنائها الوسائل اللازمة لممارسته”
الصنهاجي أضاف في تصريح لهسبريس، أن الطالب الذي يغش في الامتحان “سوف يغش بالتأكيد في أي مكان آخر في المستقبل، سواء في الشركات أو المؤسسات الحكومية أو أي مجال آخر، لأنه تربى على أن الغش هو طريق النجاح”، مؤكدًا أن الطالب الذي يمارس الغش ويفتخر به “يمثل مشكلة خطيرة جدًا”
كما أشار إلى أن ظاهرة الغش “تؤثر على المجتمع بأكمله”، مبينًا أن “خطورة الأمر لا تقتصر على مجرد غش الطالب وانتهى الأمر، بل هي دورة كاملة في المجتمع”، وأوضح أن “أصل الفساد هو التعود على الغش واستخدام جميع أساليب الخداع في المجتمع”، مذكّرًا بأن الدولة “تفقد مليارات بسبب الفساد”
ودعا الصنهاجي إلى ضرورة فرض “عقوبات قوية ورادعة، ليس فقط على الطلاب، بل على جميع المستويات، ويجب على الدولة والمجتمع ألا يتسامحا مع الغش بأي شكل أو نوع أو طريقة”، وأكد على أهمية أن “لا يفكر الطالب أبدًا في الغش، وأن تكون هناك محاولة جادة للقضاء على الغش في الامتحانات والإدارة والسياسة وجميع المجالات”
الإجراءات العقابية غير كافية
من جانبه، أكد لحسن مادي، أستاذ التعليم العالي المتخصص في علوم التربية، أن ظاهرة الغش في الامتحانات الوطنية “انتشرت بشكل كبير في المغرب في السنوات الأخيرة”، وأضاف في تصريح لهسبريس، أن وزارة التربية الوطنية والسلطات المعنية حاولت مواجهتها بـ”إجراءات عقابية، ولكن هذه الإجراءات لم تحقق النتائج المرجوة”، مؤكدًا أن الإجراءات العقابية وحدها “لا يمكن أن تكون الحل الأمثل”
وأوضح أن مواجهة هذه الظاهرة وتقليلها بهدف القضاء عليها، يتطلب “تدخلًا تربويًا وعلميًا من قبل المتخصصين في مجال التربية وعلم النفس”، وأشار إلى ضرورة “تأهيل الطلاب قبل الامتحانات، وتوعيتهم بالعواقب التي قد تنجم عن الغش”، وتوضيح أن الغش “جريمة يعاقب عليها القانون، ويمكن أن تؤدي إلى نتائج وخيمة تؤثر على حياة الطالب”
وشدد الخبير التربوي على “أهمية أن تعمل وزارة التربية الوطنية على تطوير البرامج والمناهج التي يتعامل معها الطالب بحيث لا تكون مجرد مواد دراسية قابلة للحفظ والتجميع، بل تكون أساسًا لبناء الكفاءات والمهارات”، مما يستدعي أيضًا، بحسب قوله، “تأهيل الأساتذة وتدريبهم في هذا الاتجاه”
وخلص إلى أن ما يجب اختباره في الامتحانات هو “مدى اكتساب الطالب لهذه الكفاءات والمهارات”، وليس مجرد استعراض المحتوى، وأكد أنه بهذه الطريقة “لن يبحث الطالب عن المحتوى، وبالتالي لن يلجأ إلى الغش للإجابة عن السؤال، بل سيجد نفسه أمام تحديات تتطلب منه استخدام العقل والبحث عن حلول وتقديم مقترحات لهذه التحديات”