يا جدعان: أمهات الجزائر يرابطن بشدة في معركة البكالوريا

يا جدعان: أمهات الجزائر يرابطن بشدة في معركة البكالوريا

مع اقتراب موعد امتحانات البكالوريا، يتكرر كل عام نفس المنظر، أمهات يجتمعن بالقرب من الأبواب، لا يغادرن المكان طوال ساعات الاختبار، عيونهن مركزة على المداخل، وقلوبهن معلقة بالنتائج التي لم تظهر بعد، وكل أم تنتظر خروج ابنها أو ابنتها من بين جموع الممتحنين وقد أتموا الامتحان على أكمل وجه,

هذا المشهد السنوي يثير تساؤلات مهمة حول الدوافع العميقة وراء تعلق الأمهات بمراكز الامتحانات، وخاصة البكالوريا، ولماذا يصررن على الانتظار لساعات طويلة في حرارة الشمس أو برد الشتاء، بينما يقل حضور الآباء في نفس المكان,

### نظرة علم الاجتماع: المتابعة الدقيقة والرقابة

يرى زكرياء أكضيض، أستاذ علم الاجتماع، أن هذا الأمر مرتبط بالتغيرات التي حدثت في تركيبة الأسرة المغربية، موضحًا أن هذه التغيرات تساعد في فهم علاقة الابن، خاصةً الذي يكمل تعليمه في النظام التعليمي المغربي، فالابن جزء لا يتجزأ من الأسرة، وتأثير الأسرة عليه يؤثر بشكل مباشر على مساره التعليمي وحياته الاجتماعية,

وفي حديثه عن التحولات الأسرية، أوضح الأستاذ الجامعي أن المجتمع المغربي يتحول من الأسرة التقليدية التي كانت تفرض بعض القيود على الأفراد، لكنها كانت تمنحهم مساحة أكبر من الاستقلالية، وهذه الاستقلالية تظهر في اختياراتهم الدراسية، وتكوينهم الشخصي، ونوع العمل الذي يختارونه، بالإضافة إلى العديد من الخيارات الأخرى,

وأشار أكضيض إلى أن الأسرة التقليدية، رغم اهتمامها بأبنائها، لم تكن تفرض رقابة شديدة عليهم، بل كانت تتابعهم من بعيد، ففي كثير من الأحيان، لم يكن الآباء يعرفون تخصصات أبنائهم أو مستوياتهم التعليمية بالتفصيل، لذا يمكن القول إن الأسرة التقليدية كانت تهتم بأبنائها، لكنها تمنحهم حرية نسبية في اختياراتهم الدراسية والمهنية، ولم تكن تمارس متابعة مفرطة أو حضورًا دائمًا معهم في مراكز الامتحانات,

بالمقابل، يرى زكرياء أكضيض أن الأسرة الحديثة تمارس رقابة مختلفة، وهي رقابة مفرطة على المسار التعليمي لأبنائها، وهذه الرقابة ليست بالضرورة إيجابية أو سلبية، بل هي أسلوب جديد من المتابعة يتمثل في حضور الأهل المستمر إلى مراكز الامتحانات، والمتابعة الدقيقة لاختيارات الأبناء الدراسية والمهنية، وهذا ما يشعر به الأبناء أنفسهم، حيث يشعرون بمراقبة شديدة من قبل الأسرة فيما يخص مسارهم التعليمي,

ولفهم هذه الظاهرة المتعلقة بالحضور المكثف للأسر في مراكز الامتحانات، يؤكد أستاذ علم الاجتماع على أهمية مراعاة هذا التحول في هيكل الأسرة المغربية، فالأم في الأسرة المعاصرة تحتفظ بدور أساسي في متابعة الأبناء، حيث تمارس دورها الاجتماعي في متابعة تعليمهم بدقة، بينما التكوين الاجتماعي للرجل وتجربته الحياتية يجعلاه أقل حضورًا في متابعة الأبناء، مما يزيد من مسؤولية الأم,

### قلق، ضغط، ودعم: الأبعاد النفسية لحضور الأمهات

يقول مصطفى السعليتي، أستاذ علم النفس الاجتماعي: “نحن في فترة الامتحانات، وهي فترة صعبة، خاصة على الآباء والأمهات، لأنها مليئة بالقلق والخوف على مستقبل الأبناء، سواء كانوا مراهقين أو شبابًا، يستعدون لهذه المرحلة المهمة”، ويضيف أن فترة الاستعداد تتطلب جهدًا كبيرًا وطاقة نفسية عالية، وتكون مصحوبة بقلق متزايد خلال هذه الفترة,

وفيما يتعلق بامتحانات البكالوريا، يوضح السعليتي أن هذه الشهادة لا تضمن الدخول المباشر لسوق العمل أو ممارسة بعض المهن، لكنها تظل شرطًا أساسيًا ومفتاحًا ضروريًا لتحقيق الحلم، سواء على المستوى الدراسي أو المهني، فبدون البكالوريا، لا يمكن للشباب رسم مسار دراسي أو مهني واضح، لذلك تعيش الأسر، باختلاف مستوياتها الثقافية والاجتماعية، هذه المرحلة بقدر كبير من القلق، ولكنها في الوقت نفسه تحمل حلمًا بأن يتحقق ما تطمح إليه لأبنائها,

وعن مرافقة الأمهات لأبنائهن إلى مراكز الامتحان والانتظار لساعات طويلة بالقرب من مكان الاختبار، يوضح السعليتي أن لقاء الأمهات في نفس المكان يخلق نوعًا من الدعم المتبادل، ويساعد على تخفيف التوتر الذي قد يكون من الصعب تحمله في المنزل، فاللقاءات بين الأمهات تفتح المجال للحديث حول مواضيع مختلفة تخفف من حدة القلق، وتخلق نوعًا من الأمان النفسي,

ويؤكد الأستاذ الجامعي أن قرب الأمهات من مكان الامتحان يمنحهن شعورًا بالراحة، لأن الابتعاد قد يزيد من التوتر والقلق، فالأمهات يرغبن أيضًا في رؤية أبنائهن لحظة الخروج من الامتحان، وملاحظة تعابير وجوههم وطريقة تفاعلهم قد تمنحهن شعورًا بالاطمئنان أو القلق، حسب الحالة، لذلك هذا الانتظار ليس مجرد حضور مادي، بل له بعد نفسي عميق,

أما عن سبب كون الأمهات هن الأكثر حضورًا مقارنة بالآباء، يوضح أستاذ علم النفس الاجتماعي أنهن الأكثر متابعة لمسار أبنائهن الدراسي، سواء في الحصص اليومية أو الدروس الخصوصية، كما أن ظروف العمل تجعل من الصعب على العديد من الآباء التواجد خلال وقت الامتحان، إلا أن بعض الآباء يجلسون في المقاهي القريبة من مراكز الامتحان، مما يعكس اهتمامهم رغم التحديات المهنية,

ويلفت السعليتي إلى أن عاطفة الأم، بطبيعتها، لا تتقبل بسهولة الابتعاد عن مكان وجود الأبناء في مثل هذه اللحظات المهمة، وهنا يظهر الفرق بين الأب والأم من حيث التعبير عن القلق والرغبة في التواجد، ومن جهة أخرى، هناك تخوف لدى الأمهات من تأثير صعوبة الامتحانات على الحالة النفسية أو الصحية للأبناء، مما يدفعهن للتواجد بشكل أكبر بالقرب من مراكز الامتحان، وكأنهن بذلك يحمين أبناءهن من أي طارئ,

ويختتم مصطفى السعليتي حديثه بأن مرافقة الأبناء ومواكبتهم خلال فترة الامتحانات يؤثر عليهم نفسيًا بشكل مختلف من شخص لآخر، فهذا الحضور قد يمثل ضغطًا نفسيًا للبعض، بينما يعتبره آخرون دعمًا أساسيًا يساعدهم على مواجهة التوتر، فالأمر يتعلق بالسيكولوجية الفردية لكل طالب، وبالطريقة التي ينظر بها إلى هذا التواجد الأسري، وبالتالي، يختلف التأثير حسب شخصية الابن أو الابنة وطريقة تلقيهما لهذا النوع من الدعم,