أكد مسؤولون بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان وفاعلون جامعيون ومدنيون على الأسباب الموجبة لإصلاح القانون رقم 02.03 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب في المغرب والهجرة غير المشروعة، مشيرين إلى أنه “ضرورة ملحة”، ومنبهين إلى “عدم مواكبته لمقتضيات دستور حقوق المهاجرين والتوصيات الدولية، خاصة فيما يتعلق بتجريم الهجرة وإلغاء معاقبة المغادرين”، بالإضافة إلى “أن تزايد أعداد الأجانب في المغرب ينذر بتزايد القضايا المعروضة أمام المحاكم”
وخلال المائدة المستديرة التي نظمها “مجلس بوعياش” حول “القانون رقم 02.03.. ضرورة الإصلاح”، والتي أدارها عبد الرفيع حمضي، مدير مديرية حماية حقوق الإنسان، شدد المتحدثون على أن الصيغة الحالية للقانون “تغلب الطابع المجرم للإقامة غير القانونية، ولا توفر الحماية الكافية لطالبي اللجوء”
سياق ودواع
أوضح أنس سعدون، القاضي المكلف بمهمة لدى رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن “القانون رقم 02.03 صدر في سياق مختلف عن السياق الحالي، فبالإضافة إلى صدوره قبل دستور 2011 وورش تعديل العديد من القوانين لملاءمتها مع الإطار الدستوري والتشريعات الدولية كالمسطرة الجنائية، كان محكوما أساسا بالتحديات الأمنية التي واجهها العالم بعد أحداث 11 سبتمبر”
ويرى سعدون في مداخلته أن “هذا القانون يتميز بالصرامة في أحكامه، ومن أبرز مظاهر ذلك إمكانية تعرض الأجنبي لعقوبات سالبة للحرية لعدم وفائه بإجراء إداري”، منبها إلى أن “أحد أهم المشاكل التي يثيرها القانون هو أن الخطاب القانوني المؤطر لوضعية الأجانب لا يقتصر عليه فقط، بل هناك نصوص قانونية أخرى مثل ظهير الوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب، الذي لم يتم تعديله منذ 100 عام”
وفي هذا السياق، أشار القاضي إلى أن “تضاعف أعداد الأجانب المقيمين في المغرب سيؤدي إلى زيادة عدد النزاعات المعروضة أمام المحاكم، سواء المتعلقة بالعلاقات التجارية أو الإنسانية أو الأسرية”، كما أشار إلى إشكالية “مدى توافق القانون مع مدونة الشغل، التي تخضع تشغيل الأجانب إلى ترخيص”
وأضاف المتحدث قائلا: “لدينا اليوم سياسة قضائية جنائية في التعامل مع قضايا الهجرة غير النظامية تميل إلى الحفظ في المخالفات أو الاكتفاء بإصدار عقوبات موقوفة التنفيذ”، واستدرك بأنه “لا يوجد ما يمنع من اتخاذ العقوبات السالبة للحرية في حق هذه الفئة”، وزاد أن “الإدارة لديها سلطة تقديرية واسعة في هذا الجانب، مثل سحب سندات الإقامة”
توصيات دولية
أشار خالد الرملي، مدير مديرية التعاون والعلاقات الدولية بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، إلى “وجود أكثر من 50 توصية للمغرب متعلقة بالهجرة صادرة عن مختلف مكونات المنظومة الدولية لحقوق الإنسان”
وفيما يتعلق بالجانب التشريعي، أوضح الرملي في مداخلته ضمن الندوة أن “التوصيات إما تدعو إلى اعتماد قانون جديد، كتلك الصادرة في إطار آلية الاستعراض الدوري الشامل، أو توصي بإدخال تعديلات على القانون الحالي، أي القانون 02.03”
ومن بين الأمثلة التي ذكرها المتحدث “توصية إلغاء تجريم الهجرة غير الشرعية في القانون، واستبدالها بعقوبات إدارية مناسبة، وهي التوصية التي قدمتها اللجنة المعنية بالعمال المهاجرين عقب فحصها لتقرير المغرب سنة 2013، وكذلك التقرير الذي تمت دراسته سنة 2023″، بالإضافة إلى “التوصية بضمان إمكانية مغادرة جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم المغرب بحرية، حيث لاحظت اللجنة أن القانون يعاقب من يغادر البلاد بالغرامة أو السجن”
التعديل كاف؟
أيدت نادية خروز، الأستاذة الباحثة بالجامعة الدولية للرباط، ما ذكره سعدون بشأن “تعدد النصوص القانونية المؤطرة للهجرة”، قائلة إن “الأجانب في المغرب يخضعون لأطر قانونية مختلفة، فالمواطن السنغالي مثلا لا يملك نفس الحقوق التي يتمتع بها المهاجر الفرنسي، وهذا الأخير بدوره لا يحصل على نفس حقوق النيجيري، بسبب تعدد الفئات، فقد يكون امرأة أو زوجا لمواطن مغربي”
وتساءلت خروز في مداخلتها عما إذا كان إصلاح أو تعديل القانون كافيا، منبهة إلى أنه “يوجد تحد إنساني يتعلق بالأجانب، وتأثير ذلك يتجاوز مجرد دخول التراب الوطني، حيث إن من يصل معفيا من تأشيرة الدخول لديه 90 يوما فقط لتسوية وضعه القانوني”
وفي هذا الصدد، أشارت الأستاذة الجامعية إلى إشكالية بعض الأحكام المسبقة، مثل ربط الهجرة داخل إفريقيا، “حيث لم يكن يطلق مصطلح مهاجرين على القادمين من الشمال”، وهي أحكام تفككت بفعل توصيات المجلس الوطني للحقوق الإنسان وخطاب الملك محمد السادس، وخلصت المتحدثة إلى أن المغرب مدعو أيضا إلى الدعم والتمويل والمشاركة في التعاون في ما يخص تدبير الملف مع أوروبا
ذكر عبد السلام أمختاري، رئيس جمعية ثسغناس للثقافة والتنمية بالناظور، بأن “المجتمع المدني كان شريكا في مشاورات عديدة همت إعداد الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء”، مشيرا إلى أن “مساحة اشتغال المجتمع المدني انتقلت من المواكبة المستمرة للدفاع عن حقوق المهاجرين إلى تقديم مقترحات لتعديل القانون”
ويرى أمختاري في مداخلته أن اقتراح تعديل القانون يعود إلى “وجود توجه مغربي نحو احترام حقوق المهاجرين بشكل أو بآخر، حتى على مستوى مراعاة هذه الفئة من قبل الجماعات في التخطيط الترابي”
واستدرك الفاعل المدني قائلا: “رغم ذلك، فإن القانون ما زال يحافظ على الطابع المجرم للإقامة غير القانونية، ولا يوفر حماية كافية لطالبي اللجوء، ويكرس منطق الطرد والاحتجاز بدل الحماية”